موعد مع الخظرة بنت المبروك شاعرة المغاوير/ النانه لبات الرشيد
كان موعدا مؤجلا دون تبرير، و غاية كبرى بنفسي لم أجد لها قبل اليوم قدرا يقودها للتحقق، و لقاء فسرت غرابته و دهشته لمضيفتي بأني أتيتها متأخرة لكنه تأخر أفضل من ألا أزورها مطلقا.
بوسط مخيم بوكراع، حيث عجزت حيلة اللاجئين أمام قوة السيول و الفيضانات ، فأصبح الأديم البني المغبر على الدوام خارطة من الأخاديد و الندوب المتفاوتة العمق و الطول و الاستقامة، تتوزع الخيم و البيوت الطينية البائسة دون تناسق، و من بينها، و بمنحدر تلة رابضة بجلد يفرد بيت الشاعرة الخظرة أجنحته مشرعها.
و من العيون المحتلة إلى مخيم العيون العتيد، رسمت الأرض عبور الخظرة من الوطن إلى المنفى، و منذ أكثر من ثلاثة عقود تسجل اللهجة الحسانية أحرف شاعرة فجرت الثورة الإبداع بقريحتها و أغوت بطولات الجيش الصحراوي و ملاحمه مخيلتها و فكرها.
لم تكن الخظرة تتوقع يوما أنها ستفر من مدينتها العيون، و ” الفركان” تحط الرحال بضاحية حينا و تشدها إلى أخرى حينا آخر، حسب مواسم المطر و العمل، لم تكن تدري أن إسبانيا التي يرجى أن تغادر إدارتها الإقليم ستسلمهم لغزو جديد عنوانه الهمجية و الوحشية، هناك تحول أمن الخظرة المؤقت و من معها إلى جحيم عاصف و موت محقق، حينها كان الفرار طلبا للحياة الأولوية الوحيدة و المقاتل الصحراوي طوق النجاة الوحيد. منذ ذلك الحين و الخظرة لاجئة مثل الآلاف من الصحراويين بالمخيمات، لكنها بوسام شاعرة المقاتلين.
لم تقرض الخظرة الشعر قبل الثورة الصحراوية و لم تقرضه في غير بطولات الجيش و أمجاده، تقول بأنها لا تعلم بأحد غير المقاتل الصحراوي يستحق التخليد شعرا أو نثرا، الذين يقدمون أرواحهم في سبيل الوطن وحدهم يستحقون المجد و الخلود.
قلت لها بأني تابعت وثائقيا يتحدث عنها و تتحدث فيه من إعداد إحدى القنوات الدولية الناطقة بالإنجليزية فردت بعفوية و دعابة: يكلع
أماتهم شيدورو بيا؟؟؟ فالخظرة لا تعني لها الأضواء شيئا و غير آسفة أن معظم أشعارها غير مسجلة أو مكتوبة، فهي قد قدمت قصائدها في الأوقات الملائمة لتقديمها و لمن يستحقها بنظرها، و مع تقدمها في العمر و تناسل أجيال الشعراء الشباب تقول بأنها اكتفت من شعرها بما قدمت و أن القضية و المقاتلين بأيدي أمينة.
استمعت إلى الخظرة خلال ساعتي زيارتي لها أكثر مما تحدثت، كنت أصقل سمعي بلهجة حسانية نقية بلا شوائب، و أحاول استدراك معاني و عبر لا أجدها إلا لماما عند القلة القليلة من أمثال الخظرة، الذين يبحرون مثلها ببحر الأصالة و الهوية، و كنت أعمد إلى اقتناص الحكمة بكلامها المتأني الهادئ المتماسك.و قد ودعتها أرغم نفسي على ذلك استجابة لضغط مواعيد آخر، و بي حنين جارف للعودة إليها و الاستزادة منها، وودعتها و قد انتزعت موافقة منها بأن أكون صديقتها.
صداقتها معين.
Gepostet von النانة لبات الرشيد am Dienstag, 5. Februar 2019
106 تعليقات