“الحراطين” .. موضوع عرف الكثير من المزايادات و المهاترات و المناكفات و الاحتكار و الاستغلال
لم ينل موضوع اجتماعي ، في حياتنا الوطنية، من المزيادات و المهاترات و المناكفات و الاحتكار و الاستغلال بمثل ما نال موضوع لحراطين !
و مع أن هذا الموضوع كان من المفترض أن يكون موضوع اجماع من كافة الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين و الحقوقيين نظرا لوضوحه و انعدام هامش الاختلاف عليه، إلا أنه شكل لكل جهة منصة تطل بها على الرأي العام المحلي و الدولي ؛ فكان رافعة سياسية للبعض في دواليب السلطة ، و كان مطرقة ضغط سياسي لبعض آخر في المعارضة ، و كان مصدر إلهام و تميز لبعض ثالث في المنابر الدولية ، و كان استثمارا دعائيا و انتخابيا لبعض رابع في المعارضة … و كان جسر عبور لبعض خامس للفصل بين للمكونة العربية..
هكذا يتصاعد الصوت عاليا باسم لحراطين، و يبقى واقع هذه الشريحة ، مع هذا الضجيج الإعلامي، من أقسى ما يعيشه شعبنا في ظل استغلال كل هذه الأطراف لمعاناة هذه الشريحة و تجييرها لوجهته التي هو موليها !
و من أطرف ما سمعت في حمى المزايدات كان حين سمعت أحد الحقوقيين ، في برنانج للبي بي سي عن هذا الموضوح ، و هو يقول إن المدارس العمومية في بلدنا لم يعد يدرس بها إلا أبناء لحراطين لأن شريحة البظان تدرس أبناءها في المدارس الخصوصية، بما أعطى الانطباع أن في موريتانيا فصلا عنصريا عنصريا بقوة الدولة بين هاتين الشريحتين !
و الأطرف من ذلك أن هذا الحقوقي دفعه الإفراط في المزايدة على أحد أطر هذه الشريحة، حين قال إنه درس في مطلع سبعينيات القرن الماضي و لم يشعر يوما بأي تمييز ؛ بل كان متفوقا على أبناء الأسياد تاريخيا، أن قال له : كأنك تحدثنا عن اسويسرا ! أي أنه كذب واقعا عاشته أجيال و أجيال من كل شرائح و أعراق هذا المجتمع درست معا في مدارس الدولة ، و تخرجت منها و منحتها بعضها من كل الشرائح و الأعراق إلى جميع جامعات العالم ، بما فيها المهندس بو بكر ولد مسعود ، نسأل الله له الشفاء، الذي درس مهندسا في إحدى الجامعات الأوروبية ، و الساموري ولد بي ، الذي درس في الاتحاد السوفيتي، و المرحوم محمد الأمين ولد أحمد الذي درس في جامعة دكار ، و هم من الخط الأول في تأسيس حركة الحر !
لقد كان من الأنسب أن يركز ذلك الحقوقي على الجانب التطبيقي للقانون المجرم للعبودية للتعامل بحزم في تصفية آخر جيوبها و على تكثيف و تنويع المشاريع الاقتصادية المناسبة و محو الأمية لصالح تصفية آثارها الاجتماعية و الاقتصادية و النفسية و التعليمية على هذه الشريحة ، و على وضع حد للغبن العقاري لتمكينها من امتلاك الأراضي الزراعية على نحو أوسع ، أي تفعيل القانون في ملكية الدولة للأرض بدلا من القبائل التي تضم لحراطين، و يمتلك بعضهم، مع ذلك، فيها “أسهما ” في حيزها المجالي، و خاصة السدود و ” لكراير ” .
و لكن صاحبنا آثر اتباع نهجه في تجريم شريحة أخرى بالعنصرية ، كأنها ضالته في النقاش و مطلبه في مخرجاته، فضلا عن سعيه للاستثمار في ترسيخ رذيلة المحاصصة الفئوية و العرقية على وظائف الدولة بين نخب البلاد ، برغم ارتباكه في هذه النقطة ، و كأنها الحل السحري لمشكل اجتماعي و اقتصادي تاريخي يعاني أصحابه من انتشار مستفحل للأمية و الفقر جراء وضعهم الاسترقاقي السابق ، و هو ما يجعلهم أكثر مكونات المجتمع معاناة على نحو مطلق ، و ليس بسبب عنصرية راهنية للمجتمع !
و الدليل أن أطر لحراطين و أطر البظان من كل قبيلة يستغلون نفوذهم داخل المرافق العمومية لأبناء قبيلتهم ( احراطين و بظان )، فالبظان يسعى بسلطته لصالح الحرطاني من قبيلته على حساب البظان من قبيلة أخرى، و كذلك الحرطاني يستغل نفوذه في السلطة لصالح البظان من قبيلته على حساب الحرطان من قبيلة أخرى !
ليس هذا فقط، فعندما ضعفت خدمات الدولة و خاصة في مجال الصحة و العلاج و التعليم ، باتت كل قبيلة، بيظانا و احراطين، يشكلون صندوقا ماليا للتضامن الاجتماعي بينهم، فيعالجون به مرضاهم بيضا و سمرا، و يدعمون منه الأسر الفقيرة منهم خاصة في شراء مستلزمات دراسة الأطفال عند كل افتتاح للمدرسة ، فضلا عن حالات الرفع خارج البلد ، و الإعانة في صيام رمضان و الأعياد ، و كذلك توزيع الثياب على أطفال فقرائهم، بيضا و سمرا.. و إن الساموري ولد بي الناشط النقابي و السياسي، و أحد مؤسسي حركة الحر، و أحد غلاة المزايدين مؤخرا في هذا الموضوع، لعلى دراية تامة بأن مجموعته القبلية تقوم بهكذا عمل اجتماعي تضامني، لا فرق فيه بين أسمر و لا أبيض !
تعليق واحد