ممثل السلطان في القرية/ ذاكو وينهو
هو عسكري سام من لجنة الأمراء آنذاك…..تشرفت القرية البائسة باستقباله قائدا فيها …فابيضت لياليها …وبسمت لها الأيام بعد عبوس…..هو نور مبارك تعالت أشعته في سماء قاتمة لم تعرف قبله إلا الظلام …. هو هدية السماء لأبناء هذه القرية بعد أن طحنتهم لعنة الحظوظ المتعثرة…..هكذا وصفه قادتنا المحليون الذين طمعوا أن تنظر إليهم عين رعاية حاكم البلاد ….وهكذا كافأهم ممثله بوعد صادق ترقبوه ترقب المنهكين غيث السماء ليخرج لهم من بركات الأرض…..أذاعوا في العامة قرب حضور الزعيم البطل…محرر الأرض ومجد الوطن….من سيرد الكرامة المهدورة …ويغني أمام السلطان بأمجاد القوم ويشرح له كيف كانوا شمسا على القياد …وكيف كانوا أقمارا في سماء البطولات والشهامات …أليس هو أذن السلطان التي يسمع بها , ويده التي يبطش بها , وعينه التي يبصر بها….كل ذلك أيقظ في العامة شعورا كاد يقتله اليأس والسنوات العجاف , ورداءة الزمن الجديد…حمية عصبية تتقد في المغفلين يركبها المكرة إلى غاياتهم …ثم ينسونها ….تفرق دعاة تحضير استقبال الزعيم في مناكب أحياء القوم…أحضرت الدفوف والمغنيات ….واستحر القتل في الغنم والإبل حتى سالت بطحاء الحي دما قربانا لطلعة ممثل السلطان البهية…انتظمت الصفوف واحتجبت الشمس وراء الغبار وأبت عواصفه إلا إن تشارك في استقبال رسول أمير البلاد….
.حضر الشيخ الحربي في بذلته الداكنة.. كنا نترقبه …وكنا متطلعين إلى رؤية هذا المخلوق العجيب النادر من مخلوقات الله… نزل من سيارته ….كان أقرب إلى القصر….تقرأ على صفحة وجهه بخط التجاعيد الواضح : أنا ابن السبعين….كان جسمه غريبا في بذلته وحذائه الخشن رغم أنه حليق لا تميز ذقنه من لسانه….لما رأى الصفوف وسمع المغنيات تصيح ب”اتهيدين” ارتبك وارتعد وكاد يلجمه العرق الذي بلل قميصه وسرواله حتى شرع للبعض إن يقول إن معاليه – لا قدر الله – قد بال من هول ما رأى ..فلم يستطع أن يرفع بصره عن الارض … اختلطت خطاه وكانت ساقه تعثر ساقه .. رفع يديه رفعا سريعا كموسوس عند تكبرة الإحرام ….كان لا يصدق أن الزغاريد ونقر الطبول وشيوخا وقرا كأن على رؤوسهم كؤوس الماء , أن كل ذلك أعد لاستقبال حضرته وإظهار البهجة بقدومه..
ما كان يتصور أن القوم أغبياء ومتخلفون إلى هذا الحد….وهل يستحق هو أن يخرج الناس إليه مجلين مكبرين….يا للتعاسة والسخف…..
….انتبه بعضهم إلى ما يعانيه الرجل …فقصروا الطريق واختزلت بعض مراسيم الحفل.
في جانب آخر عضو من الوفد الحكومي ..امرة….في غابة من النساء ….ترتفع جلبتهن حتى تجزم أنها الحرب استعرت…….كانت المسكينات تبالغن في الترحاب والتودد إلى درجة التملق والنفاق……فقد أقنعن أن فرصتهن سنحت لتسطير ما اندرس من مجدهن وسمعة قومهن……فاستكرهن على أن يجدن بما يؤثرن من أمتعتهن : ملاحف ..نمارق….حلى….عطور ..جواهر وغير ذلك من مستلزمات غالية ….امتلأ صحن الخيمة وأصبحت كأحد أسواق العاصمة أيام العيد…..وكانت السيدة تتفضل عليهن بابتسامة شاحبة اعترافا بجميلهن..يساعدها ثدي عجوز تسلل كمصر ملح..ثم اقتيدت إلى الدار لتستقبلها الماشطات وفنانات الحناء والرسوم على الأكف….
تحلق الناس لسماع خطاب مهم …فتراصت صفوفهم , وأمر آمرهم أن يجلس الكل , وساد الصمت إجلالا لخطبة عظيمة…ثم بدا أن الخطبة جمل قليلة وجد القائد البطل ممثل أمير البلاد صعوبة كبيرة في ترتيب عناصرها ..وكاد يغشى عليه من الارتباك والارتعاش…قال بصوت مهموس يرتعد ويتقطع : الرئيس يسلم الرئيس جدا عليكم وسأبلغه سلامكم إن شاء الله بحول الله.. انتهى الخطاب….ومع التصفيق غافلت الحضور والجنود المرافقين للحراسة شابة جسور قليلة الحياء ….شقت الصفوف المتراصة ولم يقدر أحد على مسكها أوثنيها عن قصدها …توقاها القوم بتغطية وجوههم لما رأوا من نزقها وعدم تهيبها…. بدأت الفتاة رقصة رائعة فيها تثني الهنديات وتلوي الافاعى ….دارت دوارانا سريعا كالخذروف , فذرت على رؤوس القوم التراب , وفي أعينهم الحصا.. ثم حملت بساطا من الأشربة وصبته على ظهور بعض الشيوخ في مغازلة مستهترة وتحد سافر لوقارهم…لم تكتف بهذا فقط بل اقتلعت إحدى ركائز الخيمة التي يجلس تحتها القائد ورمتها على رأسه ثم تلقفت قدح شراب وأهرقته في حجره …..وواصلت طريقها تتفنن في رقصتها العجيبة ..تتثنى في دلال وكبرياء وسرعة غربية…نعم الأطفال الذين كانوا يحملقون في بذلة القائد ونجومه الخمسة فاستغلوا تلك اللحظات بالسطو على المشروبات وطاسات اللحم والتمر…وكان على بعد امتار صبية يصيحون على الراقصة ” جنبي..جنبي…خيمتن فيها النبي”
125 تعليقات