وقفات مع الذات لتصحيح مفهوم الحياة‼
لم تترك الأفلام السينمائية موضوعاً إلا وتناولته من وجهات نظر متعددة..
ضحكاتهم وبطولاتهم ملأت البيوت وعبرت القارات، ومازالت تتردد بين الحين والآخر، وكأنهم موجودين معنا..وقد استطاعوا بموهبتهم الفريدة أن يرسموا البسمة على كل الشفاه، التي شاهدت أفلامهم ومسلسلاتهم.. ولكنهم لم يحققوها لأنفسهم…‼
فهذا شارلي شابلن الأديب لبريطاني الشهير يقول: لقد أضحكت العالم ولم أعش يومًا سعيدًا)
بدافع الفضول كنت أشاهد أفلاما لممثلين قدماء رحلوا عنا وآخرين مازالوا يعيشون معنا وهم دائما يمثلون الإنسان أشجانه أحزانه آماله..غناه فقره..علمه جهله…كونه صالحا أو طالحا وهكذا فهذا الممثل وذاك الكاتب والمصور هو أنا وأنت..
فحياتنا كالقصة التي تصور في الاستديو, ثم نشاهدها على الشاشة بعد حقب طويلة من الزمن, وعلى بعد كبير من مكان التسجيل, ولكنك تشعر كأنك موجود في مكان الأحداث, وهكذا شأن كل ما يقترفه الإنسان, وشأن الأحداث التي يعيشها فان فيلما كاملا لتلك الأحداث نعيشه واقعا منذ الولادة وحتى الموت ويمكن عرضه في أي وقت..
وربما يتعظ ويعتبر أكثر أهل الفن الذين أنجزوا مئات الأفلام عبر تاريخهم الطويل وهم يشاهدون هذه الأفلام بغثها وسمينها مع أبنائهم وأحفادهم..
فالبعض منهم لما اعتزل التمثيل وقد طعن في السن إذا سألته عن تلك المشاهد المخلة بالأخلاق يجيبك بغضب والندم والحسران يظهر على تجاعيد وجهه التي طواها الزمن…
دائماً ما تُحاط حياتهم بهالة من الأضواء تخلق انطباعاً لدى البعض بأنهم من المستحيل أن يعانوا من أي حزن أو ألم، فلديهم الشهرة ووفرة المال ..لكن الحقيقة تكون غير ذلك، فالنهايات المأساوية كانت خاتمة لعدد كبير من الفنانين، كما يقول المهتمين بأخبار الفن ويبدو أن أضواء الشهرة ما هي إلا خدعة لحياة ليست بالضرورة سعيدة…
فلم يمنع الجمهور العريض، والأعمال الناجحة، والأضواء والشهرة بعض كبار الفانانين من رجال ونساء من نهايات مأساوية:مخدرات.. تعاسة.. فقر.. إفلاس مخدرات….الخ
حتى وصل ببعضم أن يقضي بقية عمره طريح الفراش لم يستطع إيجاد تكاليف العلاج وقد نسوه أحباؤه وتركوه وحيدًا لا يجد من يعالجه حتى مات…
نحن جميعا بشر لدينا نفس الأحداث التي مروا بها والتي جسدوها لنا على خشبة المسرح وشاءت الأقدار أن تكون نهايتهم بحيث لم يشعروا.. فالنجومية والشهرة لم تمنع هؤلاء من أن يعيشوا بؤساء .. فالصورة ليست دائمًا كما نراها من الخارج، فالواقع مؤلمً، والنهاية غير متوقعة..
هؤلاء الذين أضحكوا الملايين.. ومازالوا.. وقد أفنوا أعمارهم في التمثيل.. لم يجدوا أحدًا بجانبهم عندما أفل نجمهم حتى باعوا أثاث بيوتهم لسد حاجاتهم الإنسانية من الطعام وسكن و حتى تكاليف الدفن..‼
وللعاقل أن يتعظ ويستفيد من أخطائه، قبل فوات الأوان..‼
فالعلم الحديث يؤكد أن جميع أعمالنا- سواء با شرناها في الضوء, أم في الظلام, فرادى أم مع الناس – كل هذه الأعمال موجودة في الفضاء في حالة الصور, ومن الممكن في أية لحظة تجميع هذه الصور, حتى نعرف كل ما جاء به إنسان من أعمال الخير و الشر طيلة حياته, فقد أثبتت البحوث العلمية أن كل شيء -حدث في الظلام أو في النور, جامدا كان أو متحركا- تصدر عنه حرارة بصفة دائمة, في كل مكان, وفي كل حال, وهذه الحرارة تعكس الأشكال وأبعادها تماما, كالأصوات التي تكون عكسا كاملا للموجات التي يحركها اللسان. وقد تم اختراع آلات دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج من أي كائن, وبالتالي تعطي هذه الآلة صورة فوتوغرافية كاملة للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية كما هو مشاهد الآن في التلفزيون والتقنيات ال–قمية عالية الجودة ويمكن استرجاع هذه الصور مرة أخرى…
ومشكلة هذه الآلات كسابقتها, أنها لا تستطيع تصوير الموجات الحرارية إلا خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث…
أما الموجات القديمة فلا تستطيع هذه الآلات تصويرها, لضعفها وتستعمل في هذه الآلة
( أشعة افرارد) التي تصور في الظلام والضوء على حد السواء.
ومعنى هذا أن حياة كل منا تصور على مستوى عالمي, كما تسجل آلات التصوير الأوتوماتيكية جميع تحركات الممثلين السينمائيين..
ومن هذا نصل إلى أن جميع تحركاتنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا منعها أو الهروب منها, سوا أكنا في النور أو في الظلام…
فنحن كبشر في كل سنة تمضي، نتذكر العام الماضي بإنجازاته وإخفاقاته، ولا نشعر بكبرنا واقترابنا من المصير المحتوم…
وهكذا وبهذا يثبت عندنا قطعا أن كل ما ينطق به الإنسان يسجل وهو محاسب عليه إن مناقشتنا لجانب المسألة إنما يؤكد وجود ملائكة يسجلون كل ما ننطق به من كلام مصداقا لقوله تعالى { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }. سورة ق, آية:18.
وليس القول وحده هو الذي يسجل فعملنا أيضا يسجل على صفحات الكون…
فالعلم الحديث يؤكد أن جميع أعمالنا- سواء با شرناها في الضوء, أم في الظلام..
فرادى أم مع الناس – كل هذه الأعمال موجودة في الفضاء في حالة الصور, ومن الممكن في أية لحظة تجميع هذه الصور, حتى نعرف كل ما جاء به إنسان من أعمال الخير و الشر طيلة حياته, فقد أثبتت البحوث العلمية أن كل شيء -حدث في الظلام أو في النور, جامدا كان أو متحركا- تصدر عنه «حرارة»بصفة دائمة, في كل مكان, وفي كل حال, وهذه الحرارة تعكس الأشكال وأبعادها تماما, كالأصوات التي تكون عكسا كاملا للموجات التي يحركها اللسان. وقد تم اختراع آلات دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج من أي كائن, وبالتالي تعطي هذه الآلة صورة فوتوغرافية كاملة للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية كما هو مشاهد الآن في التلفزيون والتقنيات الرقمية عالية الجودة ويمكن استرجاع هذه الصور مرة أخرى…
ومشكلة هذه الآلات كسابقتها, أنها لا تستطيع تصوير الموجات الحرارية إلا خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث. أما الموجات القديمة فلا تستطيع هذه الآلات تصويرها, لضعفها وتستعمل في هذه الآلة( أشعة افرارد) التي تصور في الظلام والضوء على حد السواء..
ومعنى هذا أن حياة كل منا تصور على مستوى عالمي, كما تسجل آلات التصوير الأوتوماتيكية جميع تحركات الممثلين السينمائيين السابقة الذكر..
فما من عمل هام إلا وله حساب يضبط دخله وخرجه، وربحه وخسارته. إلا حياة الإنسان فهي وحدها التي تسير على نحو مبهم لا يُدرى فيه ارتفاع أو انخفاض..
هل يفكر أكثرنا أو أقلنا، في إمساك دفتر يسجل فيه ما يفعل وما يترك من حسن أو سوء؟ ويعرف منه بين الحين والحين رصيده من الخير والشر؟ وحظوظه من الربح والخسارة؟
لو أننا نخبط في الدنيا خبط عشواء، ونتصرف على ما يحلو لنا، دون معقب أو حسيب، لجاز علا تفريط وحمق أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله، وأن نذهل عن الماضي وما ضم من تجارب وأن نقتحم المستقبل متهيبين خطأ أو خطيئة ‼
فكيف ولله حفظة يدونون مثقال الذرة، ويعدون لنا قوائم بحساب طويل.. ‼
أما يجب أن نستكشف نحن هذا الإحصاء الذي يخصنا وحدنا؟
أما ينبغي أن نكون على بصيرة بمقدار ما نفعل من خطأ وصواب؟
الحق أن هذا الانطلاق في أعماق الحياة دون اكتراث بما كان ويكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم
وقد عده القرآن الكريم من الأوصاف البهيمية التي يعرف بها المنافقون الذين لا كياسة لديهم ولا يقين ﴿أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين﴾ سورة التوبة آية 126.
وعلماء التربية في الإسلام متفقون على ضرورة محاسبة المرء لنفسه تمشيا مع طبيعة الإسلام، وإنفاذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم” الترمذي.
وقوله: “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله” المنذري
ولتفسير أكثر لمسألة: ” المحاسبة” نجد أنه اليوم لم تعد هناك حجة لمن كانوا يوما يعملون في الخفاء, ولا يلتفتون للتحذيرات الشرعية, وذلك عندما أصبح المسجل والكاميرا جزء من حياتنا اليومية… أي أن أقوالنا وأفعالنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا التهرب منها سواء كانت حسنات أو سيئات فهي مثل فاتورة الهاتف التي يعطيك البريد بعد تهربك من الدفع فان سجل كامل لتلك المكالمات يعرض أمامك ولا يسعك أن تتهرب منه وما يقال عن الكلام يصدق على أعمالك سواء في الظلام أم في النور..
.. وتأسيسا على ما أسلفنا فان أجهزة الكون تقوم بتسجيل لكل أعمال الإنسان
فكل ما يدور في أذهاننا يحفظ إلى الأبد, وكل ما ننطق به من كلمات يسجل بدقة فائقة, فنحن نعيش أمام كاميرات تشتغل دائما, ولا تفرق بين الليل والنهار مثل موبايلك الذي يضبط كل ما تقوم به بدقة تامة علمت ذالك أم جهلته.
وعليه فان العلوم لم تترك لنا أي خيار ولم يبق أمامنا إلا أن نسلم بأن قضية كل منا سوف تقدم أمام محكمة إلهية وبأن هذه المحكمة هي التي قامت بإعداد هذا النظام العظيم لتحضير الشهادات التي لا يمكن تزويرها
ونرتل بكل خوف وإجلال قوله تعالى:
﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾الكهف الآية:49
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا نتمسك بالدين من البداية قولا وعملا ونطبق مايأمرنا به ونحن مازلنا في سن تسمح لنا بذالك ؟
أليس من الضروري أن نعتبر من مشاهد تلك الشخصيات التي رحلت عنا وقد مثلت جميع أدوار البشرية صالحها وطالحها؟ ونتعظ أكثر من الشخصيات التي مازالت تنتظر وقد طعنت في السن وتبرأت من أعمالها السابقة التي لم تعد تناسبها؟
ونكون في هذه الحالة قد أخذنا العبرة ممن سبقونا وعاشوا أشكال الحياة حلوها ومرها سعادتها وتعاستها سواء في استديوهات التصوير أو الواقع المعاش..
وبهذه المواعظ الناطقة والشاهدة نصحح مفهوم حياتنا..‼
الهوامش
الموسوعة الحرة (بالتصرف)
محمد الغزالي:ركائز الإيمان بيت العقل والنقل, دار لقلم دمشق, ط4 1999 م
*محمد الغزالي : جدد حياتك, دار القلم: دمشق , الطبعة 15، 2003مم
*وحيد الدين خان: الإسلام يتحدى، ترجمة، ظفر الإسلام خان، (مدخل علمي إلى الإيمان)، مراجعة وتقديم، الدكتور عبد الصبور. شاهين، الطبعة الثانية، المختار الإسلامي 1964 م.
*عبد الكريم بكار: تجديد الوعي, دار القلم, الطبعة الأولى, 2000 م
*دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند,تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة العلوم والتكنلوجيا والطب موريتانيا,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م.
المرابط ولد محمد لخديم