عصر “اﻻنقلابات المخنثة”/ عبد الله اسحاق ولد الشيخ سيدي
شهدت الفترة اﻻخيرة عدة انقلابات أو محاوﻻت انقلابية تم إجهاضها، بأشكال مختلفة وفي أكثر من بلد حول العالم، وخاصة في المثلث القاري؛ آسيا، إفريقيا وأمريكا الﻻتينية، دون أن تسلم “القارة العجوز” أوروبا من عدوى هذا الزكام اﻻنقﻻبي، كما حدث – مثلا – في أوكرانيا وأدى ﻻنفصال شبه جزيرة القرم عام 2014، ومحاولة إقليم كاتالونيا الانفصال عن المملكة اﻹسبانية أواخر العام الماضي، فضﻻ عن “انقﻻبات انتخابية” في عدة بلدان أوروبية، وصوﻻ إلى “حركة السترات الصفراء” اﻻحتجاجية في فرنسا، والتي ما زالت مستمرة منذ نوفمبر الماضي.
لكن النصيب اﻷكبر من اﻻنقﻻبات واﻻنقﻻبات المضادة، أو المحاوﻻت اﻻنقﻻبية، احتفظ به المثلث القاري آنف الذكر، وبصورة أخص المنطقة العربية بشقيها اﻵسيوي واﻹفريقي، منذ 2011 وما زال الحبل على الجرار!
آخر هذه اﻷحداث ما حصل مؤخرا في الجزائر والسودان، حيث أنهى “انقﻻب ناعم” عشرين عاما من حكم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بينما قضى “انقﻻب مخنث” على حكم الرئيس السوداني عمر البشير، بعد 30 عاما من السلطة واﻻضطرابات وتقسيم البلد.
جديد هذه اﻻنقﻻبات، هو أنها تبدأ مدنية بانتفاضات أو “فورات” شعبية، ثم تنتهي عسكرية أو ثنائية الجنس (مخنثة)؛ مدنية وعسكرية، كما حدث في السودان، حيث قاد اﻻنقﻻب جنرال متقاعد منذ نحو عشر سنوات (2010)، يشغل منصبين مدنيين نائبا للرئيس ووزيرا للدفاع.
فبعد أربعة أشهر من الحراك الشعبي في عموم السودان، نظم بعض المتظاهرين اعتصاما أمام مقر قيادة القوات المسلحة، مطالبين بوقوف الجيش مع الشعب من أجل “إسقاط النظام”..
استجابت القوات المسلحة، أو وزارة الدفاع، و”اقتلعت النظام” واعتقلت رأسه، وفقا لعبارات “رأس النظام” الجديد.. لكن الحراك الشعبي واﻷحزاب المتسلقة عليه، لم يقنعها ما حدث من تغيير اعتبرته ناقصا أو مزيفا، وما زال المعتصمون يرفضون إنهاء اعتصامهم قبل إسقاط أو سقوط جديد.. ويبدو أن التصريحات المهادنة والمﻻطفة لرئيس اللجنة السياسية للعهد الجديد، خﻻل مؤتمر صحفي، لم تحقق التغيير المنشود في موقف الحراك الشعبي والحزبي..
مثل هذه “اﻻنقﻻبات” المدفوعة، أو المفروضة نفسيا ومعنويا، بحشود جماهيرية من المدنيين، ليس من الدقة وصفها بأنها “انقﻻبات عسكرية”، فالعامل المدني فيها هو اﻷعلى صوتا واﻷسبق مبادرة لﻻنقﻻب على الوضع القائم، حتى لو لم تكن لدى اﻻنقﻻبيين رؤية أو خطة لما بعد السقوط!!
ورغم ذلك، فإن هذه الحركات اﻻنقﻻبية تعيد إلى اﻷذهان ما كان يجري من انقﻻبات عسكرية وانقﻻبات مضادة، خﻻل حقبة “الحرب الباردة” بين المعسكرين المتنافسين والمتصارعين، على حساب الشعوب واﻷمم اﻷخرى اﻷقل قوة واﻷوفر ضعفا، وما زال “قانون القوة” هو الغالب.