من أجل إنجاح المشاريع التنموية لوكالة محاربة الفقر والتهميش: المقاربة التشاركية: لم؟ وكيف؟ / الزين الزين الطالب
تعهد فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، مساء الجمعة 7 يونيو2019، بإنشاء وكالة لمحاربة الفقر والغبن والتهميش تكون ميزانيتها 200 مليار أوقية قديمة وذلك في إطار حملته الانتخابية من مدينة روصو[1]. وقد أكدها معالي رئيس الوزراء بمناسبة إعلان برنامجه الحكومي أمام البرلمان الخميس 7 شتنبر 2019. يشكل هذا التوجه لفتة ذكية لمشكل يؤرق الموريتانيين. فرغم توقعات البنك الدولي باستقرار الفقر سنة 2017، إلا أن عدد الموريتانيين الفقراء يزداد باضطراد سنويا حسب تقرير سنة 2018 [2].يشكل هذا في حد ذاته تشخيصا لحالة لا تتناسب ونسبة النمو المسجلة ولا تلك المتوقعة في ظل تفاؤل كل الموريتانيين بمستقبل مشرق قادم من الحدود مع الجارة الجنوبية(السنغال) عنوانه إنتاج الغاز، وما يحمله ذلك من تفاؤل للموريتانيين عموما وللقابعين منهم تحت خط الفقر بشكل خاص. يبدو من البديهي أن الحلول المقترحة لهذه المعضلة ستتجسد في شكل مشاريع تنموية تستهدف الطبقة الأكثر هشاشة. نهدف من هذا المقال إلى الإسهام ـ ولو بشكل متواضع ـ في جعل هذه المشاريع أكثر فاعلية وفعالية انطلاقا من معرفتنا بمشاريع التنمية وأهمية إنشاءها وتحليلها أخذا بعين الاعتبار الجانب التقني لكن دون إغفال أو تغافل للجانب الاقتصادي والاجتماعي الذي يشكل عاملا محددا وفعالا في إنجاح أو ـ لا قدر الله ـ إفشال هذه المشاريع. تشكل المقاربة التشاركية إحدى الأدوات المهمة في إنجاح المشاريع شريطة القيام بها على الوجه الصحيح. سنتطرق هنا إلى ثلاث نقاط مهمة عن هذه المقاربة وأهميتها كهدف لا كوسيلة في إنجاح المشاريع التنموية بل وحتى في ديمومتها. أول هذه النقاط تتعلق بإظهار فاعلية وفعالية المشاريع؛ أما النقطة الثانية فتتمثل في الطريقة المثلى لإنجاح المقاربة بدءا بالتشخيص وانتهاء بضرورة التنسيق بين مختلف الفاعلين المعنيين بالتنمية.
- فعالية وفاعلية المقاربة التشاركية في المشاريع التنموية
تشكل مشاركة المعنيين في مشاريع التنمية أولاً رغبتهم المشروعة في المشاركة في القرارات التي تؤثر على عليهم بشكل مباشر وكذا على أسلوب حياتهم؛ لكن ذلك سيجعل من الممكن تحديد الاحتياجات التي يجب تلبيتها على سبيل الأولوية، وتعبئة الموارد المتاحة وتخصيص الخدمات والوسائل التي من المحتمل أن تلبي هذه الاحتياجات قدر الإمكان. سنكتفي هنا بعاملين يكفيان من أجل إثبات فاعلية وفعالية المقاربة التشاركية للمشاريع التنموية.
العامل الأول مرتبط بالتكلفة؛ فلقد أثبتت الدراسات العلمية[3] أنّ مشاركة المعنيين بمشاريع التنمية تجلب أيضًا فوائد يمكن أن تعوض تكاليف المقاربة التشاركية إلى حد كبير؛ فإذا كانت المشاريع ذات الطابع التشاركي تعتبر أكثر تكلفة من تلك اللا تشاركية، مع ذلك، فإن هذه التكاليف يمكن تعويضها اقتصاديا واجتماعيا من خلال تحسين ظروف العمل واستخدام الموارد بشكل أفضل.
العامل الثاني المرتبط بفعالية المقاربة التشاركية يتمثل في إيجابياتها. تؤدي المشاركة إلى تغيير في علاقات العمل والسلطة من خلال: تعزيز التضامن؛ تنمية روح المبادرة والإحساس بالمسؤولية؛ اختفاء التسلسل الهرمي؛ الحد من النزاعات. إلخ.
- التشخيص التشاركي: أولى مفاتيح إنجاح المشاريع التنموية
أولى خطوات هذه المقاربة تعتمد على القيام بتشخيص تشاركي يهدف بالأساس إلى تحديد حاجيات المستهدفين من هذه المشاريع. تجدر الإشارة إلا أن القيام بمشاريع معلبة جاهزة وعرضها بطريقة استشارية سطحية، والقيام بإنجاز هذه المشاريع والجزم بكونها ذات طابع تشاركي يبقي محض تصور لا يمكن أن يؤتي نتائج بعيدة المدى. فالمقاربة التشاركية في المشاريع يجب أن تكون هدفا لا وسيلة؛ لأن الغرض من الطابع التشاركي هو فعالية وفاعلية المشاريع التنموية وخصوصا ديمومة هذه المشاريع واحتضانها من طرف الساكنة المحلية. هنا تبقي الدراسات الأولية التشخيصية عن طريق متخصصين في الميادين التقنية، الاقتصادية والاجتماعية ضرورية بهدف الوقوف على المقدرات التنموية للمعنيين، وتحديد ـ معهم ـ الحاجيات ذات الأولية بالنسبة لهم.
- ضرورة التنسيق بين مختلف الفاعلين في الحقل التنموي وخصوصا الفاعلين العموميين
يشكل التنسيق بين مختلف الفاعلين في حقل التنمية إحدى ركائز إنجاح المشاريع التنموية. فمن خلال هذا التنسيق تقوم مختلف الإدارات العمومية بالتدخل والمشاركة بهدف الإسهام بالدفع قدما من أجل توفير المكونات اللازمة لإنشاء، وتسريع وتوطيد المشاريع. فهذه العوامل الثلاثة تلعب دورا مهما، ليس فقط في القيام بالمشاريع التنموية وإنما أيضا في استدامتها وضمان إشراك المستفيدين منها على الوجه المطلوب. بل إن ذلك سيسمح لفاعلين على المستوي المحلي بالمبادرة بإنشاء مشاريع واقتراحها. فقد شكلت ضرورة التنسيق إحدى أهم مقترحات تطوير عمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالمغرب مثلا بعدما يزيد على عقد من إنشاءها[4].بالمناسبة هذه المبادرة مثالا رائدا في ميدان التنمية البشرية يمكن الاستئناس به ودراسته بهدف الاستفادة منه.
وعموما، وانطلاقا مما سبق فإن أي إنجاح للمشاريع التنموية ـ مرتبط حسب قناعتنا ـ بأهمية اعتمادها بشكل أساسي على المقاربة التشاركية القائمة على دراسات اجتماعية واقتصادية حقيقية. بل إن اعتماد المقاربة التشاركية كهدف لا كوسيلة من شأنه خلق ديناميكية تنموية مستديمة على مستوى المناطق المعنية بهذه المشاريع التنموية. فنظرا لما يمثل هذا التوجه من أهمية بالنسبة لفخامة رئيس الجمهورية، والحكومة والسلطات العمومية في هذه المرحلة، من خلال المبالغ المالية المخصصة وكذا حجم القاعدة المستهدفة من السكان والمناطق الهشة، فإن صرورة إنجاح هذه المشاريع في تحقيق تنمية حقيقية، فعلية ومستدامة يمر لا محالة بإشراك فعلي وحقيقي لمختلف الفاعلين في التنمية (الدولة، السلطات العمومية، مؤسسات المجتمع المدني، والمستهدفين). يشكل الاعتماد الحقيقي على المقاربة كهدف لتنمية مستديمة وسيلة لتحقيق تلك الغاية، شريطة اعتماد هذه المقاربة كهدف لا كوسيلة ومن ثمَّ القيام بها على الوجه الأكمل.