إبحار في فضاء آخر !!/ذاكو وينهو
إبحار في فضاء آخر !!
هل يمكن لغبار السنين المتتالية أن ينقشع فجأة وفي الحفرة قبس متوهج؟؟؟؟ ما كان صاحبنا ينتظر وهو يرتب الأرقام السبعة أن الصوت الذي سينبعث يختزل مسافات زمنية طويلة !! وكان حديث عابر لغوي ، فيه مجاملات باردة….لكنه انتهى وفي النفس حروف كان ينبغي أن تخرج….فتحركت..ونمت….وتمددت……وكبرت……وضاق بها الصدر…فتحسست طريقها ، وانقضت على المقبض وخرجت عبر الأرقام السبعة….وإذا الصوت يحمل حرارة ، و عطرا ، ودنيا….ثم تواصل أنين الحروف وهي تكابد ولادة عسيرة لجنين شاخ في الرحم…..و كانت ليلة…. كل شيء هادئ…..النجوم متدثرة بالغبار ، وموجات البرد الضعيفة تتحرك عبر فترات متباعدة ، وسكن الليل وسابلة الليل إلا من لغط المراهقين يضربون في الأرض على غير هدى ، يفنون بعض طاقاتهم ، ويهدرون بعض عافيتهم عبر أمواج الدخان يقذفونها من أفواههم في كل اتجاه………كان الحي يشهد انبعاثا مفاجئا لأضواء المصابيح اليدوية ، أغلبها عند شيوخ يبحث بعضهم عن عجول كبار استأنست بالراحة والدفء وراء الدور الخربة بدل جلد الحلابين والضروع الفارغة ، وبعضهم يبحث عن نعاج ملت المغازلات الأليمة لأثدائها كي تجود بما لا تملك….وربما وجه إليك بعض هؤلاء الشيوخ مصباحه متوهما أنك الضالة أو ليستخبرك عنها….
التقيا من قبل عرضا ، في تقاطعات متباعدة ، لكن الإثارة كانت نائمة ، أما حديثهما الليلة فكان أكثر حميمية من ذي قبل ، أو هكذا خيل إليهما وهما في نقطة البداية ، وبذل صاحبنا الجهد كي يختزل عبر فترات الشرود والذهول والحيرة ، والفناء في لحظة التلاشي ..وكانت اعتذارات من هنا وهناك تشد إلى الزمن الميت وأخرى تحاول أن تجر بعناء إلى الزمن المفقود………
سرحا قليلا…حاولا أن يجترا من الماضي ..لكن .. ؟؟؟ ما أقسى أن نبحث عن موجود مفقود ….وما أتعس الإنسان يحاول أن يغير اتجاه الزمن ، أو أن يوقفه…مستحيل أن تعيش الماضي حقيقة ويقظة …لن تعيشه إلا حلما وحنينا…..تختلس منك لك لحظات تنعدم فيها ، وتتحول إلى عوالم من السحر ، والجمال ، والصفاء المطلق ، تفر من الزمان إلى اللازمان , ومن المكان إلى اللامكان ، وإذا أنت شيء لاشيء ، سابح غارق في حلاوة العدم ، لا رقيب ولا ناس ، كافر بالسبل القبلية و البعدية…
ثم تحين لحظة المأساة ، لحظة الانتباه المفاجئ والعودة إلى الرشد … وإذا الحاضر يشدك شدا عنيفا ليخرجك من عذوبة ضلالك ، ومتعة انحرافك ، ويرميك في” ضجر الوعي وآلام الصراط المستقيم “….
زعمت أنها حصان من تأثيرات الزمن ، بل ان الزمن أضعف من أن يوهن الطاقات الفائقة ، وأن في التفاصيل التي ترويها برهانا على صدق دعواها….. ثم تدرك أن للزمن آثارا وأنها بادية …وأن الكلمات التي كانت تتحدث بها في الماضي بريئة ، عفوية ، فيها شغب الطفولة وعبق الأسحار .. أما كلماتها الآن ففيها وقار وشيء من الانحناء ، وفيها أسلوب السرد الواعي الملتفت إلى الوراء … كانت تدرك أنها الهدف وغير الهدف ، كانت تبحث عن شيء ما ، تعبت..اعتذرت… تاهت في منحنيات القصص الرخيص لكنها لم تهتد إلى نفسها…..ظل صاحبنا غارقا إلى أذنيه في بحر الحيرة ..والشرود… انفصل عن ذاته….وهو يستمع ولا يسمع شيئا…كانت الجمل كالغيلان تصفعه…وكان ينتبه من حين لآخر فيدرك أنه خالي الوفاض من الكلمات وأن لسانه مشدود إلى وتد…أو كأنه في غابة حروف محترقة…..ينظر تلقاء نفسه فلا يرى إلا رمادا باردا…..تراكم الليل على بعضه ، وثقلت خطا المارة ، وهما يحلمان .. ويصغيان إلى اللاشيء ، والتقت يداهما على قنينة الشمع الاحمر…