“العادة كالدين ما لم تخالفه”/ ذاكو وينهو
العادة كالدين ما لم تخالفه ، قول شائع يذكي به المجتمع جزءا من انحرافه يزعم أن الظروف تقتضيه أحيانا…ولا تلبث يد العادة أن تمتد إلى ما ليس لها بحق ،فتأكل من خارج الحمى فتسمن و تقوى و تستعصي على التطويع ، فتسمى بلوى عامة ….
و تستفيد من ندية للدين… و تصبح المقولة العادة كالدين … أما الشرط فتسرقه العامة…
في المجتمع البدوي يشيع ما يسمى ” اتكوسيس ” أي سرقة مباحة ترتقي أحيانا إلى عمل فني بطولي يرتاح له المتضررون و يتنازلون له عن حقهم ، و يتحاكاه الناس بنبرة استحسان و انبهار …و تتطور حيل ممارسيه بتطور و سائل الوقاية منه …هو في الأصل استجابة لنداء معوي عاجل ، عجز أصحابه عن تلبيته بطريق شرعي شريف … فيكون الظلام و الليل الظرف المناسب لعملية سطو تستهدف عادة المستهلك الجاهز من الطعام ، كلبن و لحم مطهي و نحوهما…
يبتكر المهرة في “اتكوسيس” طرقا متعددة تحلق به عن مستوى الإثم و الانحطاط إلى مستوى البطولة و الإبداع ، يجلبون معهم قطعا صغيرة من لحم غير صالح يرمونها لكلب الحراسة تشغله عنهم ، و تارة يشرب واحد من الفريق كمية كبيرة من اللبن وعندما يقترب من الكلب يبدأ في القيء فينشغل الكلب بالولوغ ، و ينفذ الفريق عملية السطو في خفة و مهارة وهم آمنون من نباح الكلب و يقظة الضحايا ….
يقال إن حكام بني أمية ابتكروا حيلة يشغلون بها الناس عامة و خاصة عن أمور الحكم و السلطان ، فغضوا الطرف عن المحرمات فانتشرت الحانات و لهى الناس و طربوا و رقصوا و بطروا، ثم رفعوا الحظر عن بعض أغراض الأدب فظهر الغزل و النقائض التي شغلت الناس بما فيها من فجور المهاجاة ، و بقي السلطان يتسلى بغبائهم آمنا من نقمتهم و ثورتهم ….
غضب الشعوب كالبالون المنتفخ ، لتتجنب انفجاره اترك فيه ثقبا صغيرا يفرغه بهدوء فتنطفئ الشحنة ثم تلتحف الرماد…
شغل الغرب طاقة الشباب بالرياضة فأفرغ فيها طاقاته و تسلى بها عن شؤون البلاد و خلا الجو للساسة وحدهم …
من سياسة خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه لا يحكم الحصار على العدو بحلقة مغلقة ، كان يترك فجوات تشجع العدو على الانسحاب و الفرار و يكون نصر المسلمين بخسارة أقل…
كان النمل و الفئران أمة واحدة ، و كانوا إلبا على غيرهم يعتدون على المساكن و المخازن و المستودعات يفرغونها في جحورهم و جيوبهم و بطونهم ، لكن المنافسة على هدف مشترك تجعل صديقك عدوا إن لم تتغد به تعشى بك ، و لشغل الحشرات الصغيرة و إلهائها عن الغنائم و المطالبة بنصيبها ذروا لها حبا متقعرا فيه أرضة و عثاء ، ثم خافت الفئران أن تكمل الحشرات التقاط الحب المتقعر و تنتبه إلى الظلم و الحرمان ، فشرعت تقرض ثياب النمل من الأسفل حتى ظهرت عوراته ، فنسيت الحشرات جوعها و حرمانها و ذهبت تتفرج على سوأة النمل و تكتب فيها شعرا و مقامات …و نجحت الفئران في إلصاق التهم بصديقها الضعيف النمل و هي تشفق و تتسلى بغباء حشرات واديها الوديع ….