الحديث عن قيادة العالم في ما بعد الكورونا يشبه الحديث عن الإنسان ما بعد الحضارة/ سيدي محمد محم
الحديث عن قيادة العالم فيما بعد الكورونا يشبه الحديث عن الإنسان ما بعد الحضارة، فقيادة العالم لايحكمها محدد واحد ولا تقوم على الطفرة.
صحيح أن الصين كقوة عظمى أبانت عن قدرات كبيرة خلال هذه الأزمة، وأحدثت اختراقات غير مسبوقة في الاستيراتيجية الغربية في مفهومها التقليدي، كما سجلت نقاطًا مهمة لصالحها، بعضها بإرادة صينية صرفة، والبعض الآخر وهو الغالب بفعل أخطاء السياسات في الغرب عموما.
وصحيح أيضا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاملت مع الأزمة بارتباك كبير وانطوائية لا تليق بأمة تقود العالم حين تتخلى عن أهم حلفائها التاريخيين عند أول طارئ، وبانتهازية كبيرة حين يغلق الرئيس ترامب حدوده في وجه الحليف الأوروبي، ويعرض عَلَى ألمانيا أن تبيعه اللقاح لاستخدامه حكرًا على الأمريكيين دون غيرهم، في تصرف ينزل بالولايات المتحدة من أكبر قوة في التاريخ تحكم العالم إلى مجرد دولة من الدول، منكفئة على نفسها وتتصرف ضمن حيزها فقط، ولتسقط مع ذلك المنظومة الحضارية المشحونة بقيم الإنسانية والحرية وحقوق الإنسان التي تأسست عليها الولايات المتحدة وأسست عليها قيادتها للعالم.
وصحيح كذلك أن القارة العجوز ليست أوفر حظًا، فقد أحدثت الأزمة تصدعات عميقة في الجدار الأوروبي، وأظهرت هشاشة البناء الذي اعتبره الأوروبيون أهم منجز في تاريخهم الحديث، وفي واحدة من أهم قواعده التي هي معاهدة العبور (شينكن)، كما أظهرت أن الاتحاد بعجزه هذا قوَّى لدى الأوروبين نزعة القُطرية وأيقظ فيهم الشعور الوطني لدولهم.
هذه كلها عوامل تُلح علينا لتحوير السؤال عن النظام العالمي وقيادة العالم القادمة، وتفرض إعادة طرحه بشكل آخر، فهل كانت لدينا في هذا العالم قيادة ونظام عالمي بالفعل؟ أم هو وَهم عاشه العالم ردحًا ليكشفه وباء كورونا ويعرّيه، ويدفع بإنسان هذا العالم إلى إعادة صياغة أنماط عيشه ومفاهيم وجوده على هذه الأرض من جديد ووفق منظومات أكثر إنسانية مما كان قائمًا؟
وفي انتظار ما ستقدمه الأيام القادمة من إجابات، أُذكّر بأننا من أمة تؤمن بأن الله تعالى كرم هذا الإنسان بما هو إنسان، واستخلفه في الأرض لإعمارها، ولذلك فينتظر منها أكبر إسهام في جهد الإعمار هذا، وعليها أن تملك الإرادة لفرض وجودها وذكرها، وتنتزع لها مقعدا على طاولة الكبار.