رحلة في الوظيفة العمومية .. الموظف و حرية التعبير
كتبت أكثر من مرة على هذه الصفحة عن واجب التحفظ مبينا معناه و مقتضاه و شارحا بالأدلة القاطعة أصوله و تطبيقاته الفقهية في القانون الاداري .. و قادني الحديث حوله إلى ذكر التعارض بينه و بين حرية التعبير التي تعتبر في سجل الحريات العامة بمثابة ام الحريات ..
لكن مجرد ذكر حرية التعبير بالنسبة لوكلاء الإدارة العمومية يثير عادة حفيظة حماة معبد الصمت و اصنام المصالح الضيقة المتحكمين في مفاصل الدولة الاخذين بمذهب هذا مقام السكوت من قال الحق يموت و هم طبعا من الذين لا تروق لهم الجراءة في التعبير عن الآراء و لا تعجبهم الثرثرة و كثرة الكلام . .. أما الكتابة التي تعتبر اصل الإدارة.. فكما هو معلوم الإدارة تكون مكتوبة أو لا تكون.. فهي بالنسبة لهم السم القاتل و يتعين تجنبها مهما امكن في مجال الأمور المهمة كمعرفة ما يلزم قانونيا لاتخاذ القرارات أو السعي الي الاطلاع علي اتجاهات الرأي حول مسألة مطروحة ..إلى غير ذلك من الدراسات التقنية المفيدة بالراي الناصح و المعينة على اتخاذ القرار الصالح و التي تتطلب خبرة في التعبير بالكتابة..
لذلك افتقدت الإدارة المورتانية مذ عقود عادة الكتابة و الصياغة الجوهرية و صار التحرير الإداري محصورا في شكليات خاوية قد تسند الي اي وكيل لا يملك من الشهادات سوى شهادة الميلاد…
و هكذا انتشر الظلم المسكوت عليه في الإدارة و صار يراد للموظف الذي تم تكوينه و اكتتابه او تعيينه لاداء مهمة ادارية ان لا يمارس حقه في التعبير عن الظلم طبقا للقانون الذي يجيز التظلم الطواعي و حتى المقاضاة …
لقد تم ذلك بعد ترسيخ خبر ” هذا ات من فوق ” ça vient d’en haut
و هو ما ادي الي ما يعرف شعبيا ” باحدير البوجة “” أو انحطاط الدرجات في الإدارة العمومية….
هذه إشارة و من نور الله عقله بالفهم فالاشارة تكفي عن الصعوبة التي يعاني منها الموظف في التعبير عن ما قد يتعرض له داخل إدارته…. فما ذا عن حقه في التعبير حول القضايا المصيرية بالنسبة لوطنه؟ سؤال سنعالجه في منشور قادم باذن آلله
عبد القادر ولد محمد