“الأسماء المتغيرة ” و النشيد/ حمود ولد سليمان
قبل يومين أوثلاثة قرأت عن دعوة لمثقف موريتاني كبير يعيش في المهجر .يدعو الرئيس إلي الإبقاء علي النشيد الوطني القديم وارجاع العلم الأول الذي ضحي الشعب الموريتاني في سبيله بكل غال ونفيس.
وهي دعوة من مثقف غيور علي بلده المنهك والمنتهك من عصابات اللصوص .عن حسن نية وليس عن سوء قصد كما نعتقد اطلق هذا الأكاديمي صيحته من وراء البحر للأجيال من اجل الحفاظ علي الروح الوطنية من التفكك و التلاشي والذوبان .
في وقت حساس من تاريخ بلد لايزال يتلمس طريق الديمقراطية
رغم الكبوات والعثرات التي مني بها اكثر من مرة .بفعل الأحزاب السياسية الكرطونية ذات الشعارات المخادعة و صراعات انتلنجيسيا القبائل المتناحرة علي الخيبات .بلد في أمس الحاجة للمصالحة مع نفسه وطي صفحة الماضي
لينعم الكل فيه بالحرية والعدالة والمساواة من النعمة لاطار الي كيهيدي.
مع ذالك اذاكان هذا الموقف الطيب يراد به الحفاظ علي الهوية والوقوف في وجه كل مايستهدف قيم الشعب وتاريخه غير مراعي حساسية الظرف والإختلالات التي قد ينجم عنها ذالك في ظل تراكمات ومخلفات الماضي الملغمة .فإن هنالك تسبيح من المثقفين
اصبحوا لايتوانون في تسويق مفاهيم الجهة والقبيلة بغية مكاسب سياسية
وهو ما تحولت معه النخب الي مافيات خراب ساهمت ولازالت في تردي الوضع الاقتصادي والسياسي والإجتماعي متعللة دوما بسياقات مختلفة باختلاف المراحل .متفننة في شعارات جديدة كل ساعة وحين .وهو مايطرح سؤال استفهام حول مسؤوليتها بشكل كبير عن التمييع والشرخ الذي اصبحت تعيشه الأجيال.
قوميون ويساريون واسلاميون وافلامويون وزنجيون واخوة حراطين وغيرهم جهويون وقبليون أثروا الجهوية والقبيله علي حساب الوطن .
قبل سنوات قبل ان تنتهي مأمورية الرئيس السابق دار نقاش كبير بين المثقفين الموريتانيين علي صفحات التواصل الإجتماعي
داخل وخارج البلد حول ضرورة تغيير النشيد الوطني الذي نظم كلماته العالم الجليل بابه ولد الشيخ سيديا رحمه الله أحد اعلام موريتانيا الأفذاذ في القرن التاسع عشر.باعتبار ان عصر الرجل سابق علي نشأة الدولة الحديثة /المعلنة 1960م
وقصيدته ” النشيد الوطني” .قطعة دينية قريبة من شعر المواجيد الصوفية بعيدة كل البعد عن التغني بالأمجاد والحرية.لأن صاحبها نظمها دون مراعاة لذالك وليس ذالك من شأنه ولا يعنيه بمقاييس عصره .ومن السخف ادانة عالم متصوف في القرن التاسع عشربخلو قصيده من الحماسة والتغني بالوطن ..لأن الرجل لم يكن يتخيل ومن المؤكد انه لم يدر بخلده ان كلماته ستصير يوما نشيدا وطنيا .تصدح به الحناجر كل حين وتتغني به الأجيال
كن للإله ناصرا وانكر المناكرا
وكن مع الحق الذي يرضاه منك دائرا
وصية ولد الشيخ سيديا لموريتانيا ان تحفظ الله وتنصرالحق أبد الدهر ما وسعها ذالك فهل عساها فعلت !
دار سجال كبيرحول هذا النشيد بين مؤيد ومعارض .رأي البعض فيه تاريخا ورمزا من رموز السيادة الوطنية لايجب التطاول عليه والمساس منه في حين رأي آخرون ضرورة تغييره لأن كلماته بعيدة عن تجييش الذات والروح الوطنية واستمر السجال ولايزال .واستحال الي معضلة بيزنطية أيهما الأسبق البيضة ام الدجاجة ؟
بلد المليون شاعر من ورائهم الغاوون وامامهم وعن يمينهم وشمالهم شياطين بني الشيصبان واخوتهم عاجزين عن نظم كلمات لوطنهم !
يوم 26 /سبتمبر / 2017م .احتشد المفكرون والشعراء من كل حدب وصوب .وقد شمروا عن سواعد الجد يتبارون في تفجير الكلمات والقرائح .
بحضرة اربعين شاعرا من ابناء كلكامش عاهدوا الله والوطن ان يحموا الحمي .وتمت صياغة النشيد الجديد :
بلاد الأباة الهداة الكرام
وحصن الكتاب الذي لايضام
أيا موريتان ربيع الوئام
وركن السماحة ثغر السلام
سنحمي حماك ونحن فداك
ونكسو رباك بلون الأمل
وعند نداك نلبي أجل .
غير ان يتيمة الدهر هذه لاتزال تلهي بني تغلب عن كل أمر
لايزال المشكل العويص بين الفينة والاخري يسوق بشكل تنافسي استعراضي بين المثقفين من جهة واطراف الوطن من جهة وتحول الي صور ة مناحة احيانا عند قبر مجهول
واخري “عائلة شهيد ” تلتف حولها قرابتها متوددة السلطة مستغلة سلطة التاريخ بغية مكاسب .مادية
تغيير النشيد الوطني والعلم وكذالك العملة كلها امور مترابطة ولايمكن عزلها عن سياق زمن الأرض السائبة و الحروب الخاسرة .
ليس غريبا ان يتشدق المثقفون بضرورة القطيعة مع عهد الاستقلال وانشاء عهد جديد والدعوة لتصفية الشهداء الذين ضحوا بدمائهم من اجل الوطن ..
ان يتحول الوطن الي حقيبة وماركة تجارية باسم فلان اوعلان .
وان تتغيير الاسماء والألقاب من الجمهورية الأولي الي الثانية الي الثالثة .في مجتمع بدوي صحراوي يعاني الفقر والتخلف .
ويتوهم الخلاص علي ألسنة الشعراء،
وهل يستطيع اشعر اهل الأرض ان يفجر الأنهار ويشيد المدارس والجامعات والمستشفيات والمصانع وان يطعم ألوف البؤساء بقصيدة شعرية !
تواطؤ المثقفين افسد الدنيا واصبح عبئا علي الوطن .
صاحب المبادرات / الذي يصوغ البيانات المنمقة المموسقة ليل نهار للتجويع والتركيع والترويع والتلميع والتطويع .هو المثقف والأدهي والأمر انه مع ذالك يدعي الحلول السحرية للبطالة والأميةوالفقر ومشاكل المجتمع الكثيرة .المثقف اضحي مشعوذا ودجالا اخطر من كهنة الصحراء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويسعون في الأرض فسادا .
عندما كنا تلاميذا في الإبتدائية كنا نمر بشارع جمال عبد الناصر رحمه الله وكان متنزها واجمل شارع في نواكشوط.الزعيم الخالد الذي احبته الجماهير العربيه من المحيط الي الخليج . احتضنته المدينة
وضمته .مذ ضمت عيناها عليه .
تبدلت الدنيا وجاء من يكفر بالتاريخ .رجال من اقاصي البوادي جاؤوا واطلقوا رصاصهم علي الأسماء.بأمر من بلدية نواكشوط تمت تصفية عبد الناصر .المكان لم يعد يسع غير باعة آفاركو وبلدية نواكشوط لايعنيها في شيء الأسماء ولا المحافظة علي ذاكرة المدينة او معالمها وتاريخها .
ومن المفارقات العجيبة انه في الوقت الذي تم فيه تغيير اسم شارع جمال عبد الناصر الي آخر “الوحدة الوطنية “
ابقت المجموعة الحضرية لنواكشوط علي “جون كندي “وما علاقتنا نحن ب” جون كندي “؟!
فشلنا في التعليم والصحة والبني التحتية وسياسات الاقتصاد وصرنا نتخبط تارة من يريد تغيير العلم ..احمر اصفر .قوس قزح
وطورا من يريد تغيير العملة الوطنية والنشيد الوطني .وربما تغيير اسم البلد !
.في الوقت الذي تطورت فيه البلدان المجاورة ونحن لانزال في معركة الأسماء والنشيد .ولاتزال قرانا تمتاح الماء من الآبار وتوقد ليلها بفتيل مصباح زيتي !
وبعد أما آن للمثقفين نضر الله وجوههم ان يتحصنوا في قلاعهم ويدعو هذا الوطن وشأنه