النهوض الإسلامي والتراث/معركة المفاهيم/ الحسن مولاي علي
يقف بعض الإخوة والأصدقاء، من سفراء التراث على هذه اامنصات، موقف استغراب من الحضور اللافت لمفاهيم حديثة التداول، كالحرية والديمقراطية والمواطنة والانتخابات، في خطاب الحركة الاسلامية المعاصرة؛ ويتساءل هؤلاء، بحسن أو سوء نية، عن مدى انسجام تلك المفاهيم مع ما في مطولات التراث، من مؤلفات السياسة الشرعية، والاحكام السلطانية، تحت عناوين الخلافة والبيعة والطاعة، من حضور لافت للإكراه والجبرية والتغلب والتراتبية والاستعباد والاستبداد بالأمر!؟
إنها أسئلة ظاهرها الوجاهة والبراءة، ما لم تكن مترتبة على موقف الريبة القائم على الاحكام المسبقة؛ ذلك أن كل ما يتنزل في دائرة الشكوك والظنون، من هذا النوع من الأسئلة، قد يكون مجرد مدخل إلى الشبه والتهم المصطنعة، من قبل أتباع وفلول النحل والتيارات ذات المرجعيات الوافدة، لصد أهل مدرسة التراث وحراس طوده الأشم، عن مواقعهم الطبيعية، في المقدمة من تيار النهوض بالأمة من كبوة التخلف وتردي الانحطاط، ونكبة الاستعمار؛ ونكسة الاستغلال؛
وتجنبا للتوغل، عميقا، في الدوامات الناتجة عن ملتقى التيارات، في مهب الأيديولوجيات، نتوقف، فقط، مع إحدى البدهيات حول الحركة الإسلامية الحديثة، من شانها، ربما، ان ترفع استشكال مدرسة التراث، من جهة، وتلغي أية مصداقية للشبه المفتعلة، من جهة أخرى؛ وهي تتمثل في أن الحركة الاسلامية المعاصرة، هي بعث للإسلام، ولكن في الأصول الأولى لرسالته، أي مصادرها السماوية، لا في تراث مجتمعاته التاريخية، في تعاملها مع المتغيرات الارضية، زمانية ومكانية، أو في تقلباتها تحت ظل الاحوال والأوضاع والابتلاءات!!
وبناء على تلك المقاربة الشرطية، البدهية، فإن الحركة الإسلامية الحديثة، لا تكون، ولن تكون جديرة باسمها ووسمها، ما لم تحقق نقلة فارفة على عدة مستويات، تتناول الأسس والمنطلقات، والممارسات والغايات؛ وتثمر التمكين للحق والخير للأمة وللإنسانية، وأهمها:
١- شن معركة عقل ونقل، سلمية هادئة، شعارها الدائم: {هو سماكم المسلمين} تقيم الأسس العلمية المنهجية، وتضع البرامج والخطط العملية، لتخليص الأمة من دوامات الاصطفافات الطائفية والمذهبية المعيقة عن تمثل رسالة الله المطلقة المعصومة المحفوظة.ط
٢- الاحتفاء بتكريم الله لبني آدم، وما سخر لهم في البر والبحر، وما رزقهم من الطيبات، وإعطاء هذا التكريم والتسخير مداهما، على مستوى الحق الطبيعي في حرية القرار والاختيار، مع إبراز معاني ومرامي ومقاصد الحرية الإنسانية، في نصوص الوحي، وفي قواعده ونظرته المقاصدية.
٣- إعتبار الشورى الإسلامية المغيبة منذ اربعة عشر قرنا، سمة لازمة لكل ممارسة جماعية، وإعطائها الاولوية في العمل السياسي والاجتماعي، وصقلها من أدران التاريخ، وتزييف بلاطات ألف ليلة وليلة، وتحيينها بأفضل الأدوات المعاصرة، وتقديمها حلا لمعضلة الاستبداد، وتاليه الظلمة؛
٤- التحرر من الآثام والكبائر السياسية للنظم الكسروية والقبصرية، التي استنسخها أبناء الطلقاء، بعد الفتنة الكبرى، والاعراض عن كل تراث الاستبداد السلطوي لنظم الخلافة العشائرية المتلاحقة، عبر الزمن، من نواصب العرب، ومن روافض العجم؛
٥- القيام بحق الله فيما خلق له الجن والانس من عبادته، والاجتهاد فيما او جبه من تكاليف الخلافة في الارض، وما كلف به من إعمارها بالعدل والإحسان، وإقامة القسط بين الناس، وأداء الشهادة عليهم، وتجسيد الاخوة الانسانية، في أبهى صورها.