قف 3/ ذاكو وينهو ( المرتضى محمد اشفاق)
وعيت مبكرا أن حياتنا الدينية ليست بخير ، و أن إسلامنا الذي نقرؤه و نسمعه شيء ،و الذي نمارسه شيء آخر ، اكتشفت أن لنا إسلاما في النهار يختلف عن إسلامنا في الليل ، و أدركت أن إسلامنا في الخلوات بعيد كل البعد من إسلامنا في الجماعات ، أحزنني كثيرا هذا الإدراك المبكر لممارسة كثير منا لتمثيلية يسميها الإسلام رياء ، يؤديها بطريقة بافلوفية كلما دقت أجراس العادة العبادية و حان وقت الرقص على ذقون العامة، رأيت قيم الإسلام الجميلة قناعا تنكريا يتخذه البعض جواز مرور إلى المناطق المحظورة ، به تستباح الحرمات ، و بالمكانة الدينية يكتسب الرجل حصانة لإلف النساء و التمتع بهن متزوجات و غير متزوجات ، و إخضاعهن لدعاية وهم الحظوة بنيل شرف الخلوة مع ابن الصالحين ، و يتأكل البعض بالدين ، و بالرتبة الطبقية ، و النقاء المزعوم للعرق …
تعلمت أن الكذب حرام ،و السرقة حرام ، و الزنى حرام و كل المسلم على المسلم حرام ، تعلمت وجوب رد الأمانات ، و غض الطرف ، و فضيلة التواضع و الصدق و خطورة الغلول ، قرأت أن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ، رأيت كل ذلك في أودية الكلام مضروب بينها و أودية الأفعال بسور غليظ سميك لا يشقه إلا المهرة في لي أعناق المعارف و الأحكام و اغتصابها بحقارة على أرصفة الأطماع و النزوات البهيمية الطاغية…
لم أستسغ أبدا الميزان الطبقي الذي ظل مهيمنا و مرجعا يستند إليه عامة أهل هذه الديار و خاصتهم..
الإسلام الذي عرفت عنه بالقراءة ، لا بالمشاهدة دين حرية و مساواة و رحمة و عدل ، دين يقصي التفاضل بغير (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، دين يلغي التراتب الطبقي الظالم ، فكيف يستساغ أن تعيش هذه الظاهرة قرونا في مجتمع محافظ ،يتلو كتاب الله و يعلم شرع الله ، و يصنف الناس حسب تراتبية طبقية مبنية على أساس التخصص الوظيفي ، صناعة و غناء و رعيا و زراعة…
الأقسى من هذا كله هو ممارسة ظلم آخر أشد مرارة من الإقصاء و النظرة الدونية ، و استعباد الناس من ولد إسماعيل ، و التغاضي عن ممارسة الرذيلة في وسطهم ابتغاء تنمية رأسمال بشري من الخول و الحواشي تتكاثر في فوضى جنسية مقيتة..
خطر آخر لا يقل ألما هو إلصاق تهم خطيرة تعصف بقيمة الإنسان و تسبب له آلاما نفسية تقنعه بالدونية، ولا يجد الضعيف المظلوم بدا من تقبلها و ابتلاعها مقهورا ذليلا …
شاعت ظاهرة( السل) في مجتمعاتنا البدوية، و هي من نباتات صحراء الخرافة و الجدب العلمي و العقدي ، و رغم ضعف التفسيرات ، و ضبابية التبريرات التي يصل إليها المروجون إلا أنها ظلت ظاهرة مقلقة و مخوفة يعيش بها الناس فترات جزع و هلع ليست بعيدة عن خوفهم اليوم من الأوبئة الفتاكة المستعصية على السيطرة و المحاصرة ، …
لكن المؤلم أن تهمة (السل) ظلت تلاحق الفئات الضعيفة ، التي لا تستطيع دفع الظلم عن نفسها ، و كيف تتبرأ و الخصم هو الحكم ، هل رأيتم رجلا من الطبقات العليا في السلم الاجتماعي الجائر سلالا ، هل رأيتم شيخ قبيلة سلالا ، هل رأيتم ابن شيخ سلالا ، هل رأيتم زاويا أو عربيا أو شريفا سلالا ؟؟؟
السلالون هم أبناء الطبقات المطحونة ، و المنكوبة بالإقصاء و التهميش ، هم الفئات المنحطة حسب الميزان المتسلط الظالمة قوانينه و أحكامه ، كم دمعت عيناي و أنا أسمع عن مساكين حكم عليهم بقبول التلبس بتلك الدعوى كارهين مجبورين ، يعذبون بالهمز و اللمز ، يسبون و يضربون و يحتقرون ، و تدنس سمعتهم ويدانون بالقتلة مع سبق الترصد و الإصرار ، كلما صرع اللبن طفلا في فترة الخريف الحارة ، أو كلما انتشر وباء و قتل الرجال ، ألصقت بهم تهمة إمراض الأطفال و القتل العمد للنبلاء ، فيحاصرون، و يعزلون إلى أطراف الحي و يؤذون كلما مروا ، حتى يجدوا أنفسهم في إقامات جبرية في أطراف الأحياء أو خارجها، أذلة ، ضحايا الإدانة الجماعية ، وقانون خرافة ، ما لهم إلى مقاومته سبيل ، ولا لهم إلى دفع التهمة عن أنفسهم البريئةيد…
من أخوف ما أخاف على سلفنا عفا الله عنهم إشاعة الغبن تشجيعا و ممارسة للظلم الطبقي و الاستعلاء على الآدمي بغير وجه شرعي…
إن الآثار السلبية لتلك الممارسات لن تستأصل بقوانين تجريمية ، و لا بمراسيم عقابية ، و لن يقضي عليها المتأكلون باسم ضحاياها المتاجرون بهم في أسواق الدعايات المغرضة ، المتمولون من ريع إشعال الفتن ، بل بعمل اجتماعي ، فردي ،و جماعي ،يؤمن به الأفراد أولا ، و يمررونه كخطاب علاجي مرن ، و محصن بالدليل الشرعي و الحلول الجذرية المقنعة التي تستأصله من الجذور…
– أرى أن علينا انتهاز المناسبات الاجتماعية المختلفة- الأعراس مثلا – لدمج (الأعصار) من اللونين ، و حضورهم جنبا إلى جنب دون تمييز و لا إقصاء ..
– علينا رفض و محاربة تكوين فرق رياضية محلية على أساس اللون أو الشريحة..
– علينا تغييب الخطاب الداخلي القاضي باستمرار التمايز اللفظي خصوصا من قاموس الأطفال و تفكيرهم
– مداعبة الأطفال الصغار من (الأرقاء السابقين) و تقبيلهم و (تحجليبهم) ، دون حرج و لا استعلاء ،…
– توقير الكبار من الأرقاء السابقين و معاملتهم كآباء و تقديمهم في الخدمات و في الطابور و التنازل لهم عن المقاعد الأمامية في السيارات..
– النهوض للسلام عليهم باليدين و دفعهم إلى وسط المجلس و محو النظرة الدونية التي كانوا يعاملون بها ، و رفض اكتفائهم بالجلوس في أطراف المجالس و أحيانا على الأرض..
– التوعية المستمرة بظلم الفوارق على أساس اللون أو العرق و الشريحة ، و التركيز على خطاب المساواة الدينية و ترسيخ المرجعية الدينية الصحيحة التي تفاضل فقط بالعلم و التقوى…
– تعليم هذه الفئات و ترقيتهم فكريا و دينيا و إقناعهم أن الإسلام الصحيح لا ظلم فيه و لا تكبر و لا علو فيه بالأعراق و الأنساب..
– تكرار و تطبيق إن أباكم واحد ، كلكم لآدم و آدم من تراب…و من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه..
– التوعية بأن أبواب المسابقة في الحصول على المقاعد الأمامية في الفضل عند الله مفتوحة للجميع ، و أن الدين ليس حكرا على أحد و لا أسرة ، و لا قبيلة ، و لا فئة…فعلى كل إنسان حمل نصيبه من البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم علما و عملا و سلوكا و دعوة…
قصتان :
قصة 1
حكى لي أحد الإخوة أن عمالا كانوا يحفرون قطعة أرضية في إحدى المدن لأعمال بناء ، و فوجئوا بجسم رجل ميت لم يصبه البلى ، كأنه نائم ، و شاع الخبر و تنادى الناس إلى القبر فعرفه بعضهم (فلان السلال) مات منذ عشر سنين ،رجل ألصقت به تلك التهمة و كان يؤذى و يطرد ،و يضرب كلما مات طفل أو شاب ، فعاش معزولا في أطراف المدينة ، ومات و لعله لم يجد من يجهزه فواروه خارج المقابر و لم يتكلفوا عناء حمله…عرفه الناس و كان عبرة و موعظة ، لا شك أن مثل هؤلاء المظلومين شهداء ظلم و احتقار و تشويه ، شهداء معركة أخرى قاسية تهدر فيها كارمة الإنسان ، و الله سبحانه و تعالى لا يظلم نقيرا ، و لا شك أنه عوضهم بما لا يخطر على البال من التكريم و الرحمة …
قصة 2
قرأت أن شابا عربيا مسلما اقترن عاطفيا بفتاة غربية ، طالبة معه في نفس الجامعة، و اتفقا على الزواج لكن والد الفتى اشترط أن تسلم الفتاة ، عرض الشاب الإسلام على صديقته و أحضر لها كتبا فيها ترجمة لمعاني القرآن الكريم ، تقبلت الفتاة على مضض أن تقرأ الكتب ، ثم توسعت و قرأت عن الإسلام ، و شرح الله صدرها له و أسلمت ، و حسن إسلامها ، فرح الشاب و أخبر أباه ولما حضرا إليها رفضت الخطبة و قالت إن سلوكه بعيد عن الإسلام الذي قرأت ، و إنها تعوذ بالله من قبوله زوجا…
ألم يقل روجى كارودي : الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل المسلمين ،،
و قال محمد عبده لما زار الغرب و رأى مدنيتهم و احترامهم للقانون ، إنه وجد في الغرب مسلمين بلا إسلام ، و ترك في بلاد المسلمين إسلاما بلا مسلمين…