ترامب.. تويتر.. وفيس بوك. ماذا بعد تكميم الرجل الأقوى في العالم؟ / دداه عبد الله
لم يفلح إلقاء القبض على مقتحمي مبنى الكونغرس الأمريكي في طمأنة الأمريكيين والعالم بشأن حفل تنصيب الرئيس المنتخب في العشرين من هذا الشهر وذلك رغم كون المحرض الأول على تلك الأعمال أصبح مكمما وبلا صوت بعد أن فقد حسابه بشكل دائم على منصة تويتر التي كان يتابعه فيها 88 مليون شخص وعلق حسابه إلى أجل غير مسمى على منصة فيس بوك.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد فقد حذفت شبكة التواصل بارلير (Parler) التي يستخدمها مؤيدوه من جميع المنصات بما فيها غوغل وآبل وأمازون بعد أن اتهمت بالتغاضي عن التحريض على العنف.
سابقة خطيرة
ما حدث بعد اقتحام الكابيتول أمر غير مسبوق ويطرح التساؤل حول الحد الفاصل بين حرية التعبير والتحريض على العنف ومخالفة القانون ودور منصات التواصل الإجتماعي وقوتهن المتزايدة لحد حظر الرجل الأقوى في العالم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أصبحت هذه المنصات أكثر تشددا فيما يعني رقابة المحتوى أم أنها كانت فقط متساهلة مع ترامب طيلة السنوات الماضية نظرا لموقعه؟
لا يخفى على أحد أننا عندما نتحدث عن منصات التواصل الإجتماعي فإن الأمر يتعلق بخليط من الشركات الخصوصية التي تتصرف داخل “نطاقها العقاري” إن صح التعبير ولا يمكن تصنيف حظرها لأي كان ضمن الحد من حرية التعبير لأن المصادرة توصيف لا ينطبق إلا على الحكومات.
في الجانب الآخر فإننا نتحدث عن قائد بلد لم يكتف باستخدام منصات التواصل الإجتماعي لتنفيذ استراتيجية سياسية مبنية على الكذب فحسب وإنما استغلها لترسيخ كذبه في أذهان الناس لخلق ما يمكن أن نطلق عليه “حقيقة موازية للواقع” على مدار سنوات حكمه توجها في نهاية المطاب بالتحريض على الفوضى والعنف لمنع انتقال السلطة إلى خليفته المنتخب.
فقد غرد عبر تويتر يوم التاسع عشر ديسمبر قائلا: احتجاج ضخم في واشنطن يوم السادس يناير.. كونوا هناك.. سيكون وحشيا”.
لماذا الآن بالذات؟
من منظوري الشخصي من الصعب تخيل تصرف أكثر عدوانية ضد ديمقراطية ليبرالية عريقة كالولايات المتحدة من هذا الذي قام به رئيسها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ألم يكن بالإمكان حظر ترامب من منصات التواصل الإجتماعي قبل الآن؟
أهمية هذا السؤال تكمن في الآتي: إذا كانت تلك المنصات نادمة فعلا على عدم اتخاذ تلك الخطوة في وقت مبكر مع ترامب لماذا لا تقوم بها الآن اتجاه أمثاله من الزعماء كالرئيس البرازيلي مثلا الذي يقود إحدى الدول العشر الأقوى اقتصاديا في العالم والذي لا يوجد زعيم يقلد ترامب أكثر منه؟
المؤكد أن إدارة تويتر مثلا اتخذت القرار تحت تأثير الضغط من العاملين في المنصة لأن الإدارة مافتئت تتردد بشأن اتخاذ قرار قاس ضد الرئيس الأمريكي حتى أجبرها العمال في النهاية على ذلك.
أما فيس بوك فكان أكثر صراحة في التعبير عن دوافعه لاتخاذ القرار حيث قال مالكه إن تسخير أكبر شبكة للتواصل الإجتماعي في العالم لترامب لنشر ما يريد ينطوي على مخاطر جمة.
هواجس التقنين والسيطرة والإحتكار
ومهما كانت مسوغات ملاك شبكات التواصل الإجتماعي لحذف الرئيس الأمريكي فإن القرار أيقظ دون شك مخاوف لدى العديد من قادة العالم مما وصلت إليه تلك الشبكات من قوة وتأثير وقدرة على اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة بغض النظر عن دوافعها.
فقد قالت المستشارة الألمانية أنجلا ميركل – التي عارضت بشدة تصرفات ترامب الأخيرة – إن حذفه من منصات التواصل الإجتماعي يعتبر إشكالا حقيقيا.
ويوم الأثنين حذف فيس بوك حسابات مسؤولين من يوغاندا في وجه الإنتخابات التي ستجري هناك مما يبعث على التساؤل عما إذا كان ما نشهده هو مجرد إجراء منعزل أم أنه بداية لسياسة ستنتهجها هذه الشركات لتضييق الخناق على بعض الحركات المتطرفة وقادتها؟
وإذا سلمنا بأن الأمر كذلك فما الضامن أن هذه الشركات العملاقة والقوية لن تغعل الشيء ذاته لإخراس أصوات أخرى إذا رأت في ذلك حماية لمصالحها الذاتية؟
لذلك أعتقد أن ما يحدث الآن ينبغي أن يقود إلى نقاش موسع وتأمل كبير حول شبكات التواصل الإجتماعي وتحديد دورها المجتمعي.
ما هي هذه الشبكات؟ هل هي مساحة عمومية مفتوحة للنقاش الديمقراطي وتبادل الآراء حول القضايا التي تهم المجتمعات المختلفة والبشرية ككل؟ الجواب أنها ليست كذلك من الناحية القانونية على الأقل.
إذا كنا سنعتبر منصات التواصل الإجتماعي فضاء عموميا ديمقراطيا لنقاش القضايا التي تهم المجتمع علينا أن نبدأ التفكير في إيجاد طريقة لتقنينها بشكل يجعلها تتحول من شركات خصوصية إلى مؤسسات ذات خدمة عامة وبالتالي فالمؤسسات ذات الخدمة العامة لا يمكنها تحديد القوانين الخاصة بها بمعنى أنه لا ينبغي لها مثلا أن تحدد لوغارتمات التحكم التي تقرر ما ذا يصل جمهورا كبيرا وماذا يصل جمهورا أقل ولا من يدخل ولا من يخرج فهذه أمور يجب أن يقررها المجتمع بواسطة مشرعيه.
هناك طريقة أخرى للتعاطي مع المشكل وهي النظر إلى هذه المنصات كفضاءات خصوصية مثل مؤسسات الإتصال الإجتماعي التقليدية كالصحف والإذاعات والتلفزيونات وهنا تكون المشكلة في الإحتكار لكونها مؤسسات عملاقة تسيطر على الساحة دون منافس وفي هذه الحالة سنحتاج إلى المزيد من منصات التواصل الإجتماعي.