عن بريد الليل وانتخابات العام 1999 /محمد فال بلال
عام 1990، كنتُ في مكتبي بالبنكـ (باميس) إذْ دخلَ عليّ السيّد ديدي ولد اسويْدي رحمه الله، وطلب منّي أنْ ألتَحِق به في فندق الأحمدي مساء نفس اليوم في الساعة العاشرة.
حضرت في الموعد المحدد ووجدتُ معهُ محمّد ولد الحَيْمَرْ، رحمه الله، وعبْدو ولد محّم، والدّاه ولد الشّيخ. ..افتَتَحَ عبدو محّم الجلسة بكلمة مقتضبَة أكّد فيها دعمَهُ لائحة “الشّورى” وعلى رأسها الدّاه ولد الشّيْخ. وأعْرَبَ ديدي رحمه الله عن رغْبَته في أنْ أتولّى إدارة الحملة، مُضيفاً أنّهم سيَتَحَدَّثُون في الموضوع مع بقيّة الأطراف المؤثرة والقياديّة في اللائحة، مثل اصغيّر ولد امبارك وأبو بكر ولد أحمد ومحمد عالي ولد ديّاهي وسيد أحمد ولد الزّين وبُوميّه ولد ابياه ومحمد عبد الله ولد الشيخ أحمد وصالح المؤمنين ولد محمد بابو، رحمه الله .. قبلت الاقتراح.
وبدأتُ العمل فوراً باجتماع عام لأعضاء اللائحة وأبرز الدّاعمين لها. وفي أوّل يوم، تعرّفتُ على شباب “ثائر” يغلي حماسا ونشاطا وحيَوِيّة واستعدادا للتضحيّة والعَطاء تأييدا ودَعما للائحة…كانوا بالفِعل متميِّزين عن بقيّة أركان “الشورى”، وأذكرُ منهم محمّد جميل ولد منصُور والحسن ولد مولاي.. وقد ساعداني كثيرا في تذليل صعوبات ومطبّات لا تخطر على بال؛ منها، على سبيل المثال لا الحَصر، تأخير افتتاح أول مهرجان نعقده بسبب نقاشات ساخنة حول كيْفِيّة الفصل بين الرّجال والنساء ومنْع الاختلاط في ساحة المهرجان، إلخ.. بعضُ قادة لجنة التنظيم جاؤوا بحِبالهم وعِصيّهم إلى عين المكان (كرفور مَدريد) لوضع الحواجز.. كما أذكر أنّ بعض أطراف اللاّئحة كانوا ينظرون إلي خلفِيَّتي “الكادِحَة” بتَوَجُّس .. وفي هذا المضمار، لجأتُ يوما إلى الشيخ حمداً حفظه الله، وطلبتُ منه أن يَدُلني على طريقة أحصل بها على ثقة وقَبول شباب اللائحة؛ ابتَسَم، وقال بِحُسن دعابَته وطرفته المعهودَة: “وأحْمَد من يَـغْـفَـرْلُ”!؟ وأضاف: عندَك بَيت امحمّد ولد أحمد يوره:
“أمـولايَ بـالتَّـيْـسِـيـر جُـدْ لـي و بـاللُّـطْـفِ @ و جَـذْبِ قُـلـوب الـنَّـاسِ عَـطْـفـاً عَـلـى عَـطْـفِ”.
المهم، كانت المواجهة قويّة مع لائحة مسعود ولد بلخير ولائحة “الأطر” المحسوبة على التيار النّاصري. وذهبنا إلى شوط ثانٍ في مقاطعات انواكشوط الـ9. شوط ثانٍ ضد لائحة مسعود في 6 بلديات، وضد “الأطر” في 3 ..
وأذكر أنّني ذهبت إلى الأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل في مبنى مقابل ملتقى “أكُول جَسْتِيس” وغير بعيد من مجمع العيادات (بولكلنيك) للتشاور معه حول استراتيجية العمل في الشوط الثاني. وسبحان الله العظيم فوجئت – في حديث عام عن الوطن – بدرجة معرفته للناس والقبائل والأنساب والتاريخ .. ومدى اطلاعه على دقائق المعطيات في الساحة وكأنه فارس ميدان في عمق المعركة. وأشار إلى بعض النواقص والأخطاء في إدارة الحملة، وقدم مقترحات مفيدة لتلافي الوضع. وفي الأخير، طلب مني الاتصال بالأستاذ الشيخ أحمد ولد سيد ألمين (رحمه الله) للتنسيق والمتابعة. أعجبت بهدوء الرجل وأدبه وعمقه واتساع أفقه ومقاربته للأمور واستنتاج المواقف منها.. وبقى معي ما تفضل به في معرض الحديث عن اللوائح عن تاريخ الخلاف بين التيارين القومي العربي والإسلامي.. بنبرة لا تخفي العتب والملامة..
اتصلت بالأستاذ الشيخ أحمد ولد سيد ألمين، رحمه الله، وشعرت بعد ساعات قليلة أن قواعد البعث تحركت وألقت بثقلها في المعركة كاملا . وكان لها دور بارز في فوز لائحة الشورى المحسوبة على التيار الإسلامي في الشوط الثاني بنتيجة مريحة: 24 مستشار مقابل 10 لمسعود و 3 للأطر. والحقّ أقول، كانت انتخابات 1990 فرصة ثمينة تعرفت خلالها على بعض القادة والمناضلين البعثيين البارزين، وكانوا كلهم على درجة عالية من حسن السلوك والدّقة والسرية في العمل والانضباط. ومن خلالهم تأكدت لدي صورة صدق وأمانة وإخلاص وثبات غرسها في ذاكرتي الأستاذ ممد ولد أحمد الذي طالما قارعناه بأخوة ومحبة وأريحية في اتحاد الطلاب الموريتانيين بجامعة دكار في سبعينات القرن الماضي، و الأخ دفالي ولد الشين الذي تربطني به علاقة ود وصداقة وتقدير متبادل منذ أيام اللجنة الوطنية لشباب حزب الشعب الموريتاني.