خواطر علي هامش مقال جيد للاستاذ الكبير محمد يحظيه ولد ابريد الليل / عبد القادر ولد محمد
روي عن الكاتب الكبير عباس محمود العقاد قوله :” اقرأ كتابا جيدا ثلاث مرات أنفع لك من ان تقرأ ثلاثة كتب جيدة ” اعتقد ان على الباحث عن ما ينفعه في فن الكتابة باللغة الفرنسية شكلا ومضمونا حفظ المقال الذي وقفت عليه اليوم منشورا في جريدة القلم بتوقيع من الاستاذ العميد محمد يحظيه ولد ابريد الليل .
المقال جاء كرد على استجواب استفزه به بغية الاثارة ..فيما يبدو.. الصحفي بهيت فسالت بقلم الكاتب الفياض أودية من ذكريات حقبة مثيرة للجدل من التاريخ السياسي المورتاني لتصب في خلاصة رزينة من الثقافة و الادب و أدبيات النقاش و أخلاق المهن و نزاهة الأفكار ..
لقد آجاد الاستاذ وأفاد كعادته بأسلوب رائع يجعلك تعيد قراءة المقال بالتكرار الذي لا يضر و ان تفكر في ترسيخه بالذاكرة على نهج التعليم المحظري او كما يقال ” تكًلع منًو أغبابيد ” مستحضرا قولهم “إن الرواة بلا فهم لما حفظوا * مثل الجمال عليها يحمل الودع …لا الودع ينفعه حمل الجمال له * ولا الجمال بحمل الودع تنتفع “..
و قد لا نوافق بالضرورة خلاصات المقال كلها و قد لا تروق نبرته الصادقة للذين ستكون بعض الحقايق كما رواها الكاتب في آذانهم وقرا الا انه من الصعب بمكان إنكار شهادته المتعلقة بجروح الوطن المنسية مذ ايام الحكم المدني المعظم و التي يراد لها اليوم ان تظل دفينة بحجة واهية اقصي مبلغها هو ان الاحكام العسكرية التي تلته ارتكبت من الفظائع ما هو اعظم ..
لقد كشف الكاتب في هذا السياق عن اسرار فضيحة تاريخية تم بموجبها ظلم مئات المواطنين الذين تعرضوا للقمع القاتل و التشويه والتخوين ثم المحو من الذاكرة الوطنية ابان اكبر اضراب في افريقيا الغربية اهتزت منه دعائم الرأسمالية الكومبرادورية و تمخضت منه حركة وطنية اصيلة قوامها المطالبة بالحقوق المدنية ..
من يعرف اليوم ان أبطال النضال الوطني لعمال ازويرات الذين كان لهم الفضل في نشر الوعي في صفوف الشباب المتمدرس و الشغيلة والقوي الحية دفنوا احياءا عبر تكريم الجلاد البارون روتشيلد بميدالية الاستحقاق الوطني ؟
لا يهمني هنا ان أناقش ما ذهب اليه العميد من تبين لدور تيار البعثيين في تلك الحلقة المشرفة من النضال فهو من ناحية ادري مني بها و هي من ناحية اخري تحسب للحراك التقدمي بأسره . صحيح ان الذين كتبوا عنها من امثال فرنسس دي شاسي ركزوا اكثر علي دور الكادحين الذين كانوا حينها موحدين في صفوف الحركة الوطنية الديمقراطية ولكن ما اعرفه هو انه كان من الصعب في ما ادركنا من اثار الحراك بعقد السبعينيات التميز بين الكادحين والبعثيين فكان اكثر أطر هولاء يحسبون في نظر العوام بالجملة مع الكادحين كما سمعنا ايضا ان التيار التروتسكي المقرب جدا من الكادحين نشأ من رحم التيار البعثي .. و أتذكر انني اطلعت ايام الطفولة في منزلنا بجوار دار اهل ابريد الليل العامرة ضمن منشورات الكادحين و تحديدا صيحة المظلوم. على أعداد من “راي بغداد” l’opinion de Baghdad التي كان يديرها طارق عزيز و الواقع انني لا اعرف كيف نجوت بأعجوبة انا و ابناء جيلي من تأطير البعثيين الذين كانت مدينة اكًجوجت مهدا لبعض نشطائهم لم اعلم ببعثيتهم ا لا بعد عدة سنوات من تلك الايام الجميلة ربما كنا نعتقد انهم هم الكادحون ! من ضمن هولاء رجل وقور كان يتميز بلس بنطلون مع الدرًاعة يمارس التجارة في دكان بالسوق الجدييد بالقرب من محل والدي و كنا صغارا نتعجب حين نراه في مظاهرات الشغيلة بفاتح مايو انه المرحوم باذن الله محمد الحسن واللود احد ابطال نضال العمال المؤسس لحركة المطالبة بالحقوق المدنية . الذي لم افهم قط حكايته النضالية الشريفة قبل الوقوف عليها آليو م في مقال العميد محمد يحيظيه ولد ابريد الليل !!
و بالمقابل اعرف تماماً و افهم جيدا ما كتبه العميد حول فظاعة اقحام البلد في حرب الصحراء التي اعتبرها شخصيا ام المصائب لهذا البلد كما اعرف ان العميد يعد من ضمن ثلة قليلة من المثقفين والسياسين الذين عارضوا مهزلة “حرب التوحيد الوطني” ( اذ لم يعارضها حسب علمي صراحة الا جناح الكادحين الرافض للاندماج في حزب الشعب ) و ما لم يقله العميد ربما حياءا منه هو انه كان الوحيد الذي وقف ابان احدي أواخر اجتمعات المجلس الوطني لحزب الشعب الي جانب با عبد العزيز رحمه الله لما اخذ هذا الأخير الكلام و خاطب الاستاذ المختار ولد داداه رحمه الله قايلا : السيد الرييس انا اعتقد ان حرب التوحيد كانت قرارا خاطئا و قد ادت الي انهيار البلد و تحطيم مكاسبه ” فأخذ العميد محمد يحظيه ولد ابريد الليل الكلام ليدعم ما قاله الزميل با عبد العزيز. فأجابهما الرئيس المختار مخاطبا كل الحاضرين بدهائه المعروف : طيب ما دمتم تعتبرون ان الحرب ادت الي انهيار البلد فينبغي آذن ان نعلن حالا الخروج منها و إنهاء عملية التوحيد و نحن الان لدينا القدرة الشرعية علي اتخاذ مثل هذا القرار لأننا في اجتماع مفتوح لأهم هيئة سياسية ” انتهي من كلام الرئيس. … فما ان أنهي الرييس كلامه حتي وقفت القاعة وثبة رجل واحد تصرخ عاش التوحيد الوطني. !!عاش التوحيد الوطني!!. الحرب ضد الأعداء و الخونة!! و هكذا تم إسكات الرجلين بموجة النداء الي الحرب بالتطبيل و بالتصفيق. و استمر التصفيق. .. و يستمر التصفيق !!!