ثلاثة أنماط من التنظيمات المجتمعية/ سيد احمد ولد بابه
يتكرر طرح مفاده بأننا نعيش فوارق اجتماعية مزعجة و أننا أجيال تئن تحت وطأة ظلم مؤلم منذ عقود كثيرة…
أريد أن أدعم هذا الرأي بوصف أولي مقتضب لما أراه حقيقة واقعة في منظومتنا البشرية المعاصرة.
في اعتقادي أن هنالك ثلاثة أنماط من التنظيمات المجتمعية :
١. التنظيم “البدائي”
يقوم هذا التنظيم على أساس منظومة قبلية و طبقية تستخدم الفرد كوسيلة لاستمرارها.
تدور هذه المنظومة في حلقة مغلقة، تتوزع فيها أدوار كثيرة. تشبه في توزيعها مملكة النحل أو مملكة النمل و يتبادر إليك أن فيها أسياد و خدم و تراتبية معينة، بينما هي أكثر تعقيدا من ذلك : الخدم فيها أسياد و الأسياد فيها خدم… و الكل في نهاية المطاف خدم لمنظومة واحدة هي الكفيلة بضمان البقاء للجميع…
و يتواجد هذا النمط أساسا في الأماكن البكر، البعيدة من الحضارة “القوقازية” الرأسمالية المهيمنة، كالجزر النائية داخل المحيطات الكبرى و كالمناطق المنعزلة داخل عتمة الغابات الاستوائية الشاسعة…
٢. التنظيم المجتمعي المتقدم،
يقوم هذا التنظيم على منظومة مؤسساتية تعمل من أجل خدمة الإنسان. و يتساوى فيها كل المواطنون : الحاكم فيها و المحكوم… القاصي فيها و الداني… كلهم سواسية أمام القانون.
إنها المنظومة الاجتماعية التي يريد كل شخص لنفسه أن يكون جزء منها. فلابد أن أهلها أحرار في مواقفهم… سعداء في أعمالهم… بناؤون لأوطانهم…
يتواجد هذا الصنف كما هو معلوم، في الدول المتقدمة..
٣. التنظيم المجتمعي التائه،
لا هو بالقبلي و لا هو بالمؤسساتي.. و هو موجود أساسا في البلدان الخارجة لتوها من الاستعمار…
في هذا الصنف، حقيقة، يهان الإنسان في عيشته و كرامته… فحريته مغللة بالخوف من نزوات الحاكم و حاشيته و إن أراد عيشة رغيدة فما له من سبيل إلا سبيل الحربائية المتلونة بالألوان المنبثقة من قلعة السلطان، لا يهم إن كانت زاهية أم باهتة… و لا يهم إن كانت صائبة أم خاطئة….
لا جهد و لا بناء للأوطان في هذه المنظومة ! و كيف يبني الأوطان من سلبت إرادتهم و غللت حريتهم…؟ بالعكس، إن أصحاب الضمير الحي الذين يهتمون بهكذا أمور، يعيشون في هذه البيئة كابوسا رهيبا… : تراهم أحياء بأجسادهم… و لكنهم في حقيقة الأمر، أموات في قلوبهم…!
إننا إذا، كما هو متردد من هذا الصنف الأليم… !
و ما الحل المبتغى و الضروري إلا حل واحد. إنه الإسراع في عمل جاد من أجل بناء و إرساء مؤسسات الدولة القوية و الصارمة. فتلك المؤسسات هي الوحيدة التي تستطيع أن تكفل و تضمن للجميع حياة كريمة و ازدهارا مريحا و اندفاعا وطنيا صادقا…
و يحذونا أمل كبير بتحقيق حلمنا هذا أكثر من أي وقت مضى فنحن حقيقة نعيش ظروفا سياسية مؤاتية لتحقيقه…
نتمنى أن لا يخيب هذا الأمل، و أن يوثق التاريخ أخيرا عنا بأحرف من ذهب ميلاد دولتنا المؤسسية المهابة و المصانة و تحرير الإنسان في بلدنا من كل القيود المهينة لكرامته و إرادته… عندها سحيق لنا جميعا كمواطنين شرفاء أن ننشد بكل ما أوتينا من قوة تمجيدا لمن حققوا لنا شرفنا و ردوا لنا آدميتنا… و وراء كل ذلك لن يضيع الله أجر من أحسن عملا…
****
في الصورة أسفله، أفراد من قبيلة ‘الزوي’ التي تعيش خارج الزمن في الأمازون. أفراد هذه القبيلة لا يعلمون بأن أناسا مثلهم يسكنون بعيدا فوقهم، في السماء، في منصات فضائية ؛ و لا يعلمون كذلك أن هنالك أناس آخرون مثلهم، يعدون بالملايير، يعيشون معهم على نفس الأرض لهم طقوس مخالفة لطقوسهم، يتواصلون عن بعد، بأجهزة صغيرة يحملونها في أيديهم و يتنقلون على مسافات طويلة في عربات ذاتية الحركة برا و بحرا و جوا.
و أنه في الوقت الذي يصطادون فيه الطيور في أعالي الأشجار، هنالك في نفس الوقت في شبكات مترو انيويورك، باريز و شانغهاي أعداد مهولة من البشر لا يعلمون بوجود ‘الزوي’ و لا يستطيعون أن يتصورا أن العالم فيه بشر مثلهم لا يعرفون الإسفلت و الإسمنت و الكهرباء و البترول….ناهيك عن معرفة ما جرى للبشرية بعد ذلك من تطور سريع في علوم و تكنولوجيا المواصلات….