من تاريخ الكادحين (15) / بدن ولد عابدين
حل بالعاصمة انواكشوط من الثاني الى الرابع من شهر فبراير سنة ١٩٧١ ، الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو ضيفاً على فخامة المغفور له بإذن الله المختار ولد داداه ، خُصّصٓ للضيف الكبير استقبال مشهود اصطف فيه الجمالة على جنبات الطريق وتجمهر المواطنون وأطلقوا الزغاريد وضربوا الطبول فرحاً بالزعيم الفرنسي وبينما كان الامر على هذا المنوال اذ حدث ما لم يكن في الحسبان ! شابٌ نحيف في عينيه بأسٌ وتصميم في قلبه شجاعة الأسد يُصيبُ الضيف المبجل رميةٍ لم تُخطأ هدفها!
الشاب الهداف اسمه لمرابط حمديت وما قام به احتجاجٌ على الزيارة وعلى الوجود الاستعماري في البلد.حدث الامر عصراً أمام عدسات الصحافة الفرنسية ولما جنّ الليل ووقع الشاب الجريئ بين مخالب جلاديه تسطرت قصة اختلف الطرفان الكادحون والحكومة على مدلولها لذا نُقدم لكم فيما يلى الروايتين كما وردتا في مقال نُشره احمد محمود جمال لقبا في صحيفة القلم نعياً للراحل المرحوم لمرابط
حمديت . ويقابله نص ماورد في عن المرحوم المختار ولد داداه فى كتابه : موريتانيا رغم التحديات.
وداعاً لمرابط حمديت
بسم الله الرحمن الرحيم (( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي )) صدق الله العظيم
استقبلت مدينة انواكشوط عام 1971 في عزّ الاحتجاجات على نظام المغفور له بإذن الله المختار ولد داداه، الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو. حيث اصطفّ على جنبات شارع جمال عبد الناصر الرابط بين المطار وبين القصر الرئاسي ركاب الإبل ومتطفلون لا هم لهم وجمهور غفيرٌ حضروا استقبالاً للزائر وليخصصوا له احتفالاً جمع الحفاوة والاحتجاج من قبل طيف من السكان جُلّهم شباب مناهضون صراحةً “للإستعمار الجديد واذنابه” كان ضمن الجموع طالب فى الثانوي نحيف الجسم متشبعٌ بالأفكار الثورية،اندسّ بين الصفوف ليستقبل -على طريقته-الضيف الكبير!
وقد استطاع هذا الشاب ان يرمي بيضةً على بومبيدو الواقف جنب الرئيس المختار داداه في سيارة مكشوفة. وقع الامر الغريب تحت أَعْيُن الصحافيين والمصورين وعدسات التلفزة الفرنسية ! وعلقت الصحيفة الفرنسية الساخرة لكنار آنشينيه على الحدث بكاركاتور كتبت تفسيراً له “هذه هي الديكة التي باضت على بدلة بومبيدو في انواكشوط !
وأظهر الموضوع للعالم حجم معارضة نظام المرحوم المختار داداه والوضع المزري الذي يرزح فيه معتقلو الرأي.
ولما اعتُقل المتهم واقتيدٓ الى السجن روى لزملائه في النضال ، بأسلوبه الساخر قصة البيضة ورميها على بومبيدو! قال “خلال الاستجواب سألني المحققون عن من ألقى البيضة؟أجبتهم :أنا من رماها ،ومن هي المنظمة المصدر لمثل هذا الفعل؟ قلتُ وهل سمعتم بمنظمة يقتصرُ برنامجها على رمي البيض؟
لم يُقٍنِعِ الجواب المحققين فشرعوا في حصة التعذيب ! عندها اقترحتُ عليهم توقيف العذاب وان يسقوني ماءً ويُقدموا لي طعاماً واعداً بقول
الحقيقة ولا شيء غيرها فقبلوا الحل المقترح.
وبعدما نلتُ قسطاً من الراحة أجبتهم صراحة:
اشتريتُ البيضة من بقالة لبنانية بخمسِ أواقٍ وانتظرت فى صفوف المستقبلين للموكب الرئاسي وعندما بلغ مستواي رميته بالبيضة لأتمتع بمنظر السائل الأصفر يتصبب على بدلة بومبيدو الزاهية!
ذالكم هو عام البيضة كما جاء في مدونة البيظان! وكان راميها المرحوم بإذن الله لمرابط حمديت :حقوقي وموظف نزيه ، أيقونة الحركة الوطنية خلال السبعينيات من القرن العشرين.
وقد صعدت روحه الطاهرة الى بارئها يوم 28 أغسطس2010 ،يلفها الوقار وتُزيّنها الرزانة، بعد صراعٍ مريرٍ مع المرض.
وانا لله وانا اليه راجعون.
كتبه / احمد محمود احمدو ،جمال لقباً
صدر فى عدد سبتمبر 2010 من صحيفة القلم.