#يابانجيات/ صديق الحسن (من صفحته على الفيسبوك)
صباحات إسطنبول الأولى كانت عصير برتقال “أورغانيك” على الرّيق يذكرني بعصائر جامع الفناء وقنينة ماء وعلبة دخّان من الدّكان الأقرب. لكن صبي الدّكان كان يتشاطر على أبيه وأخته التي تساعد في مورد رزق العائلة بأنه خبير بأحوال السيّاح “العرب” ويعرف كيف يحلبهم. ولأنّه يحسبني منهم يتحوّل هذا الرّوتين الصّباحي إلى جولة مفاوضات يحاول أن يبيع لي فيها كلّ ما يخطر بباله من سلعٍ تسيل لها أفئدة القادمين من أرض الضّمأ، وفق مخيلته الصّغيرة. وما زلت أناوره حتى أخرج آخر أسلحته وطفق يناديني يا حاجي، يا حبيبي.. وهي مناداة باعة البطاطا المحشوة والأساور والتحف الرّخيصة للسياح العرب. ثم عرض علي في إحدى المرّات توريدة حصريّة من عسل “عشبة العنزة” وخلطات تحيي ما هو رميمٌ!! فنفذ رصيدي من الصّبر وسألته إن كان فيّ ما يدلّ على حاجتي إلى ذلك؟! أنا من بلاد تجري من تحتها الأنهار (بعضها على الأقل) وتنتج العسل والزّيتون واللوز وبها من خلطات جلب الحبيب وربط الغريب ما يحقق الاكتفاء الذّاتي ويخصّص الفائض للتصدير للبلدان الشقيقة والصّديقة.
تعلّمت كيف أفتك منه وآوي إلى المقهى المجاور حيث فطائر “غوزلامة” الشبيهة بالملاوي المغربية أو المشلتت المصري و البوراك باللحم المفروم والبصل أو الجبن، فأحسّني كأيها الناس، وما أريح أن تذوب في الناس حتى لا يبقى لك أثر، ما أسعدك إن تحدثت لسانهم وحملت عودك من كومة همومهم، وما أتعب من يعيش كالسائح أبدًا.
هي مسألة أذواق وأنا لا أصدر هنا حكم قيمة. ثمة من يروق له أن يعيش سائحًا حتى في بلده فيُشار له بالبنان والخيار والفواكه الاستوائية ويلقى خدمة خاصّة في الأسواق والمقاهي ويدفّعونه أضعاف أسعار بقية الخلق وتشرئب له أعناق الزّبائن فيُسرّ بذلك لأنه يحسّ أن روحه تقمّصت أخيرًا جسدًا أجنبيًا وكفى بذلك شاهدًا على غربته ونجاح هجرته ولسان كلًّ جوارحه يقول “أنا أجنبي، أنا خيرٌ منكم.”
وأنا لست أمانع أن أكون حاجيًا لكن ليس بهذا المعنى، ليس كمرادفٍ لكيس متحرك، إن حدّثته عن السّفاهة يحدّثك عن الكرم وإن أحرجتك التّفاهة يقول “أنت صِرْت من العجم”!! يا صديقي ما أنت إلا شنطة سامسونايت بشفرة علنية، شوال بقفل أبوتكة خرمه العيال في إسطنبول والقاهرة ولندن والدّار البيضاء وعبثوا بمحتوياته، والعياذ بالله. أعذُر هم تمامًا فالمال السّائب يعلّم السّرقة.