الهيبة سيد الخير مقال من وحي “عاشوراء”/ الهيبة سيدي الخير
أين نحن من مفهوم الصحة الواحدة one Health؟
إن صحة المجتمع شرط أساسي للرفاه والتنمية ،لذلك تصدرت أولويات كل الحكومات عبر العالم ،ولم تشذ بلادنا عن ذلك النهج ،حيث قامت في الآونة الأخيرة بتشييد وتجهيز مستشفيات متخصصة للرفع من أداء المنظومة الصحية، لكن تلك الإجراءات لم تعط النتائج المتوخاة منها ،فالمؤشرات الصحية الوطنية تراوح مكانها ،ويعود ذلك في الأساس لغياب مفهوم الصحة الواحدة عن الإستراتيجية الوطنية الصحية.
مفهوم الصحة الواحدة one Health
مفهوم شامل ينظر إلي صحة الفرد نظرة شمولية، بحيث يٌشرك بالإضافة إلي المنظومة الصحية التقليدية ،كل من البيئيين و الأطباء البيطريين ومنتجي الغذاء و فاعلين آخرين ،مما يسمح بخلق منظومة متكاملة ومندمجة تركز علي الوقاية من المسببات المرضية ،بدل هدر الجهود الوطنية في علاج مكلف لأمراض غالبا ما تكون مستعصية، في حين يكون من الأسهل عادة إزالة مسبباتها.
إن المقاربة الحالية تجاوزها العصر، فقطاع الصحة المسؤول الرئيسي حاليا عن وقاية المجتمع من الأمراض، لا يستطيع أن يتدخل أو أن يتعامل خارج حدود قطاعه لذلك يبقي مكتوف الأيدي ويصبح جهده عبثيا، وغير فعال، وهذا ما يفسر تشوه هرم التمويل الصحي، حيث أصبح بالمقلوب فالصحة القاعدية اليوم لا تقع في سلم الأولويات.
أمثلة علي قصور الإستراتيجية الحالية
سنأخذ مرض السرطان كمثال علي قصور الإستراتيجية الوطنية الصحية ،لأن انتشار المرض أصبح مخيفا ،ويستنزف طاقات المجتمع، فالدولة ترصد أموالا معتبرة ،وأهل المرضي يستنزفون بسبب التكاليف الباهظة في حين أن نسبة الوافيات عالية والمرض في تزايد ومع ذلك فالتركيز ينصب علي قطاع الصحة في حين تهمل الأسباب المؤدية للمرض فمحاربته لن تكون فعالة قبل :
• التوقف عن تغذية الحيوان علي أوراق الكرتون الحاوية علي أصباغ صناعية مشبعة بالمعادن الثقيلة والتي ستنتقل عبر المنتجات الحيوانية؛
• إيجاد آلية للحد من البقايا الدوائية في المنتجات الحيوانية ،والتي تحقن بشكل عبثي دون احترام الآجال المقررة ،فالدواجن اليوم مثلا تخضع لبروتكول تلقيح يفترض أنها ستذبح بعد 45 يوما، في حين أن المربين ولأسباب اقتصادية يختصرون 20 يوما ،مما يعني أن بقايا الأدوية ستمرر إلي أجسامنا؛
• التوقف عن لف الأطعمة وخصوصا الدسمة في أوراق الاسمنت وأوراق الجرائد الحاوية علي المعادن الثقيلة؛
• التوقف عن استخدام المبيدات الزراعية لأغراض الصحة العامة، خصوصا داخل المنازل ،فنلاحظ للأسف استخدام مبيدات فتاكة ومثابرة من مجموعتي الكلور والفسفور العضويتين داخل المنازل، والمٌحزن في الأمر أن رب الأسرة غالبا ما يكون منتشيا لان المبيد قضي علي كل شيء ؛
• مراقبة نوعية أصبغة الألبسة؛
• التوقف عن تربية الأغنام من سلالة اكويرات بشكل سائب في الوسط الحضري ،حيث تعتمد علي القمامة وبالتالي تُصبح ألبانها ضارة جدا ،لما تحوي من ممرضات وسموم toxinesومعادن ثقيلة أمر لا تعيره وزارة البيطرة ولا وزارة الصحة أهمية؛
• التوعية بمخاطر استخدام مستحضرات تفتيح البشرة الحاوية علي مواد كيميائية خطيرة؛
• مراقبة الصناعات الغذائية المشبوهة وخاصة تلك الحاوية علي الملونات والنكهات الصناعية الضارة؛
• التوقف عن الاستخدام المفرط والغير ملائم للمبيدات الزراعية وخصوصا من مركز مكافحة الجراد.
إن صحة الفرد تنبع من صحة غذائه و سلامة وسطه البيئي ،وهذا يتطلب تضافر جهود قطاعات عديدة بالإضافة إلي خلق وعي صحي لدي الجمهور، بما يسمح بتجنب المخاطر الصحية، فوزارة الصحة تركز علي شراء المعدات والأدوية وبناء المنشآت، في حين يكون مفتاح حل المشكلة أحيانا في توعية المجتمع ،أو في التوقف عن ممارسة معينة من قبل مزارع أو مربي ماشية .
لقد آن الأوان لبلورة استراتيجية وطنية صحية شاملة للتصدي للمخاطر الصحية، بما يحقق رفاه المجتمع وضمان صحته وبأقل التكاليف .
المهندس:الهيبة ولد سيد الخير