التدمير الذاتي….!! منهج مقصود… أم مجرد واقع مشهود
خلق العوائق
حاولت في الفترة الماضية مراقبة ما يحدث في بلدنا بصمت، ومتابعة الفعل ورداته والموقف وتجلياته بتمعن، وقد كنت أود منذ أشهر التحدث عن فئات منا – العمال اليدويون، العمال غير الدائمين، المنقبون عن الذهب- ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ضمن سلسلة “الصابرون”، لكن بدا لي أننا جميعا نعيش واقعا يحتاج لعمل أكثر شمولا، وجهد أكثر عمقا، فالأمل كاد أن يتحول لكوابيس، وحالنا شاعت فيه خيبات الظن وتوقع الأسوأ..
في ظل جائحة زادت من صعوبة عيش المواطن، وقللت من فرص الرفع من مستواه المادي، ومن خلال وجوه تآلفت مع الفساد وألفته، تتنقل بين مراكز القرار بيسر وأريحية؛ يجد المواطن نفسه أمام تحديات معيشية وصحية وتعليمية تكاد تعصف بكيانه..
وما أود تناوله في هذه الأسطر هو صرخة مشفق، وتنبيه محب، ولا أريد أن أطيل الحديث ولا أكثر الأمثلة و لا أفصل كثيرا في الملاحظات، وإنما أذْكر عناوين؛ والعنوان بالمضمون يُذكِّر، فسأتناول ضمن هذا الجزء بعضا من مظاهر خلق العوائق في بعض المجالات الحيوية أمام المستضعفين، على أن أتناول في الجزء الثاني تدمير القيم ثم أختم السلسلة إن شاء الله بالحديث عن مسار التقاضي في “فساد العشرية”
– التهذيب
منذ فترة ليست بالقليلة والجميع يلاحظ تكاثف العراقيل وتراكمها أمام التلاميذ لولوج المسابقات الوطنية –كنكور أبريفه بكلوريا– ففي كل سنة تُشدد شروط المشاركة في المسابقات وتتعقد أمام المترشحين وخاصة مَنهُم من خارج المدارس، لا لشيء سوى التصعيب والتشديد في بلد يكثر فيه التسرب المدرسي وتقل فيه جودة التعلم بوتيرة متفاقمة، حيث يتسع العجز في تغطية النقص في كوادر التعليم، وجودة المناهج، وتوفر الكتب التي التزمت وزارة التهذيب بتوفيرها في الأكشاك، بل وتبنت توزيعها مجانا في المدارس لطلاب السنوات الأُول في كل مراحل التعليم الأساسي والثانوي، ولحد كتابة هذه الأسطر لا تزال كثير من مدارس العاصمة لم يتسلم أي من تلاميذها كتابا واحدا – إعدادية تيارت نموذجا -، أما واقع المدرس والتلميذ خاصة في الريف فهو الواضح المخجل ..
– التعليم العالي
التعليم العالي أمره جلل وإفساده مستطير فصرخات الناجحين في الباكلوريا ممن تجاوزوا خمسا وعشرين عاما وحسرات ذويهم اعتاد الجميع عليها بداية كل عام دراسي، وألفتهم الشرطة وأقبيتها، ومن استطاع التسجيل في الجامعة فعليه أن يألف الارتباك في تقديم المحاضرات النظرية والأعمال التطبيقية، في ظل غياب منهج رسمي لمحاور الدراسة، ومتابعة فعلية لما يقدم للطالب، و غياب الانتخاب عن تسيير الوظائف والمسؤوليات فيها، وتحول كلياتها إلى إدارات خدمية تتبع كل واحدة منها بشكل صارم لسلطة رئيس معين، أما وضعية الطلاب والأساتذة خاصة المتعاونون مع الجامعة فمما يطول شرحه ويسوء ذكره..
– الصحة
ويبقى رديف التعليم وصنوه –الصحة- الآن في وضع أشد وطأة وأسوأ أثرا، ففي ظل هذه الجائحة التي سادت فيها صفقات التراضي – ما قيمته 20 مليار في أربعة أشهر مابين: 04-07/2020 اختصت وزارة الصحة بأربعة منها- بأنواعها واتضحت العراقيل وقلت السياسات الجادة للحفاظ على الصحة والنمو، نورد أمثلة محدودة تبين صلف وسوء تدبير القائمين على الصحة إن لم نقل غيرها، فمنذ بداية الجائحة والوزارة تطالعنا بالغريب والأغرب فقد بدأت نهاية 04/2020 بتعليق اكتتاب شبكة “الأمان” التي كانت منظمة الصحة العالمية تود بناءها في كافة مقاطعات الوطن من خلال اختيار 57 طبيبا من غير العاملين في الوظيفة العمومية وتكوينهم حتى يتفرغوا للعمل في كافة التراب الوطني لمراقبة تفشى الوباء والعمل على السيطرة عليه بالتضامن والتعاون مع وزارة الصحة، التي بدأ ترنحها يتضح مع بداية الجائحة، وما صاحب ذلك من تعنتها في منع دخول الطلبة والمرضى العالقين على حدودنا مع الشقيقتين المغرب والسينغال، والسماح باختلاط ركاب الطائرة الفرنسية الشهيرة بذويهم، و الخرجات الاستعراضية للسيد الوزير بعد ظهور أولى حالات الإصابة بالوباء، رغم حسن ظن المواطن وتصديقه لكثير مما كان يقال إثر كل حدث؛ كتفشي الوباء، وندرة أدوية الحالات المزمنة..، ولعل تأخر توفير اللقاحات لحد الآن في بلادنا رغم توزيعها في كافة دول الجوار، ووصول 5000 جرعة مجانا منذ حوالي ثلاثة أشهر والتي لم يعلن عن أي شيء يتعلق بها لحد الآن، اللهم ما ذكر عن قرب وصول لقاحي سينوفارم الصيني و آسترازينيكا البريطاني السويدي المثير للجدل، مما يؤكد أننا أمام وضع يحتاج أكثر من التمني وواقع يفرض عظيم الجدية والصرامة.
وإذا كانت وزارة الصحة والتعليم العالي يتولى تسييرهما منهما بهما خبير؛ فخطؤهما مقصود، وتقصيرهما غير مبرر، ومن كلفهم قد يجد بعض العذر في بدء الأمر، إلا أن التهذيب أمره مختلف؛ فقد كلف به غير خبير، وأسند لغير مختص، فلا عذر لمن كلفه، ولا حجة لإبقائهم جميعا في أماكنهم كل هذا الوقت..
د. سالم فال ابحيدة