التدمير الذاتي….!! طمس المُثل / د.سالم فال ابحيده
منذ فترة والجميع ينادي بخطورة إفلات المفسدين من العقاب والأخطر والأدهى هو تكليفهم بوظائف جديدة وفي أحيان كثيرة ترقيتهم وتوشيحهم في ذكرى الاستقلال واحتفالاته، وبما أننا شعب في كثير من أحيانه يتفاخر بسباكة اللفظ وتزيين العبارة ويتبارى في الشعر والسجع، ويأنف من الثبات على الموقف والصبر على المبدأ، فإن الركون للمجاملة وإشاعة عدم المبالاة بالزلات، وتجاوز الأخطاء والدفاع عن الفساد وأهله، وطمس المثُل والحرص على المنافع الشخصية، وَصَفات مدمرة للمجتمع، ومسممة لأجواء الثقة والتضامن فيه..
1- الإفلات من العقاب
لا يخفى على أحد أهمية التحقيق والتفتيش ومتابعة القائمين على الشأن العام ومراقبة ما يستهلكه المواطن من غذاء ودواء غير أن هذه الجهود رغم مركزيتها إذا لم تصاحبها مساءلة المقصر ومحاسبة المدان فإن آثارها تكون مقوضة لمنظومة القيم والمُثل المجتمعية.
– تقارير محكمة الحسابات
كان لافتا نهاية العام قبل الماضي الإفراج عن تقارير محكمة الحسابات في العشرية الماضية وكانت تلك خطوة باعثة للأمل رغم هول ما اطلع عليه الرأي العام من حجم الفساد واستشرائه بل وحتى شبهة تنظيمه، وظن الكثيرون أنها بداية لمرحلة جديدة من مشاركة المواطن في الجهود الرسمية المنتظرة لكشف الفساد والمفسدين ومحاصرتهم، غير أنه مما يخيب الظن كثيرا أن عديد من تضمنتهم تلك التقارير لا زالوا يزاولون مهاما عمومية، وبعضهم تقلدها بعد الإفراج عن تلك التقارير وهو ما يُخشى أن يكون إيذانا بفتح المجال واسعا أمام المجاهرة بالفساد والمفاخرة بفعله، وإشاعة ممارسته في الشأن العام وتطبيعه أمام الجميع؛ فقد تم تهيئة الملفات من لدن قضاة محكمة الحسابات ولم يبقى إلا بدء إجراءات التقاضي وهو ما نزال ننتظره…
– المواد المنتهية الصلاحية
منذ فترة ونحن نلاحظ تصاعد عمليات المصادرة و الإتلاف للمواد المنتهية الصلاحية من أدوية ومواد غذائية وذلك بكميات كبيرة وفي أماكن مختلفة ومتباعدة من بلادنا:
– فاتح نوفمبر 2019 بنواكشوط قامت السلطات الإدارية بسحب 220 طن من الأدوية منتهية الصلاحية ليعلن يوم 16/11/ 2019 عن إحراق 100 طن من الأدوية منتهية الصلاحية.
– في 05/12/2019 بازويرات تم إتلاف طنين من الأدوية منتهية الصلاحية
– بتاريخ: 01/03/ 2020 تم إتلاف 14 طن من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية بنواذيبوا
– في 27/05/2020 بتكانت تم إتلاف 3.5 طن من الأدوية منتهية الصلاحية
– في 10/06/2020 بنواكشوط تم إتلاف 200 طن من المواد المنتهية الصلاحية
– في 16/10/2020 بكيفة تم حرق 10 أطنان من الأدوية والمواد الغذائية المنتهية الصلاحية
– في 13/11/2020 بنواكشوط تم حرق 120 طن من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية
– في 20/12/2020 بكيهيدي تم حرق 7،5 طن من الأدوية و 2،5 طن من مستحضرات التجميل و 2 طن من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية
– في 24/12/2020 بلعيون تم إتلاف طنين ونصف من المواد المنتهية الصلاحية
– في 23/02/2021 بفصالة تم إتلاف 3 طن من المواد المنتهية الصلاحية
– في 04/03/2021 بأطار تم إتلاف ثلاثة أطنان من المواد المنتهية الصلاحية
– في 10/03/2021 بالنعمة تم إتلاف أربعة أطنان من الأدوية والمواد المنتهية الصلاحية
ولم تتم لحد الآن محاسبة تجار السموم هؤلاء وكأننا أمام واقع يشجع على المتاجرة فيها، ويزيل الثقة والاحترام عن موردي الأدوية والمواد الغذائية ويَسِمُهُم جميعا بالتزوير والجشع، ويجعل المواطن يعمم السوء وفعله على كل تاجر.
2 – إشاعة التخادم
كثرت اللقاءات بين الحكومة و عدد من الشخصيات الحزبية ونشطاء المجتمع المدني، ورغم أهمية جو الانفتاح والتشاور بين السلطة الحاكمة والنخب المجتمعية إلا أن تلك اللقاءات كثيرا ما تثمر مكاسب شخصية علمها القاصي والداني، وظهرت آثارها بوضوح على التصريحات والكتابات، حتى أن المقارنة البسيطة بين اليوم والأمس تؤكد اختلاف المواقع رغم وحدة الوقائع، وهو ما جعل المواطن يحرص على التعبير عن نفسه دون واسطة ولا نيابة سواء كان ذلك في الواقع أو في الافتراض؛ من خلال كثرة الوقفات والاحتجاجات والتدوين والمدونين وكثرة المتابعين لهم، فخفَّت الثقة بمن كان يفترض فيهم التعبير عن هموم المواطن من معارضة وحقوقيين، وهو ما يبدوا جليا عند الدخول لأي من صفحات تلك الشخصيات ذات التاريخ الطويل في النضال ومقارعة الأنظمة، حيث يكثر نقدها وتكذيبها وحتى السخرية مما تدعوا له أو تعبر عنه، هذا بالرغم من دفعها الأهل والأصدقاء والمريدين للإعجاب بآرائها والهيام بكل ما يصدر عنها، فقد أضرتها كثيرا تلك الجهود التي بَذلت وبُذلت لتحقيق مكاسبها الشخصية..
وكان ظهور ما يعتقد أنه زعيم المعارضة في فيديوا – غير لائق- وما صاحب ذلك الظهور والممارسة من نقاش تناول كل شيء إلا النفي الرسمي لنسبة التسجيل له، أو الاعتذار عن الفعل الشائن وعن تسجيله، ورغم أن الرجل يشغل منصبا متقدما في لبروتكول الرسمي في بلادنا، فلم يحظى ما نسب إليه بأي تنبيه أو إنذار علني من الحكومة ولا من حزبه ذي “المرجعية الإسلامية”.. !!، وكأن “النخبة” بكل أطيافها ورموزها تسعى لتدمير ذواتها إيذانا بانتهاء دورها وعزوف المواطن عن الثقة فيها، بل واستحضار سوء النية في فعلها وقولها.
فعل وأفعال وأحداث تتكرر يوما إثر يوم رغم قسوتها على الضعيف؛ فبها تتآكل الثقة، ويزداد الوعي، وتتسع الفجوة بين المواطن ودعاة تمثيله.
أردت من هذه الأسطر أن أُسمع نفسي تفكيري و أُشرك غيري معي في تفسيري، وأن أَبحث عن جدوائية تكليف غير الكفء، والثقة في غير المؤتمن، والسعي لإرضاء غير الصادق، والحرص على تأليف غير المتبوع.