محمد فال بلال يكتب عن بدّن رحمه الله والإعلام (كان يستخدم الاذاعة الرشمية في التواصل مع الحركة السرية)
عجيبة هي علاقة بدّن رحمه الله مع الإعلام. كان وهو في زهرة العمر يمر بالمراكز الثقافية في العاصمة ويجمع ما تيسر من الصحف و الجرائد و المجلات، و خاصة منها الصحف والجرائد و المجلات العربية و التقدمية. كان يذهب إلى المركز الثقافي المصري و المركز الثقافي السوري و المركز الثقافي الصيني ومكتب حركة “فتح” ليأخذ ما طاب من صحف وكتب ومنشورات. وكان – رحمه الله – مواظبا على قراءة مجلة “العربي” الكويتية و “الحرية” و “بكين-للإعلام” و “الأفق” و “الصاعقة”..
ومع علاقته بالصحف والجرائد، اشترى جهاز “راديو” (ترانزستور). وكان لا يكاد يفارقه. يستمتع بالاستماع إليه – ليس فقط كأداة للترفيه والتسلية – وإنما كمصدر أساسي و مهم للأخبار و المعلومات الموثوقة. يلتقط ويتابع أنباء العالم من “صوت العرب” و البرامج العربية في “الببسي”.
وبعد اجتماع “تكومادِ” التاريخي، بدأ يلعب دور المنسق الفعلي بين أعضاء الجماعة لأنه الأصغر سنا و الأكثر حرية و قدرة على التنقل.. فكان يزودهم بالصحف في أماكن عملهم فيما يشبه دور “ساعي البريد”. و هي – لعمري – مهمة إعلامية بالغة الأهمية في ذلك التاريخ نظرا لصعوبة المواصلات.
وبعد ذلك، تطورت علاقته بالإعلام إلى الكتابة و النشر. فكان حاضرا في بناء وتوطيد الإعلام التقدمي المناهض للحكم في سبعينيات القرن الماضي.شارك بالتأكيد مع سميدع رحمه الله في جريدة “الكفاح”، و ربما يكون حضر مع الأستاذ محمدن ولد اشدّو (حفظه الله) في “موريتانيا الفتاة”. ثم كان ما كان من ملحمات و بطولات و تضحيات على رأس “صيحة المظلوم” و قطاع الإعلام عامة التابع للحركة الوطنية الديمقراطية و حزب الكادحين بما فيه من مواد و عتاد و نشر و تأمين و توزيع.. كان كل شيء يسير بإدارته المباشرة أو تحت إشرافه و رعايته. و لن أطيل في ذلك لأنه تحدث عن بعض قصصه هو شخصيا في صفحته “ما ارتسم في الذاكرة”.
أودّ فقط إضافة نقطة طريفة جدا لا يعلمها إلاّ قليل من رواد السبعينات..
كان من عبقرية الأخ بدّن ولد عابدين و مواهبه الإعلامية أنه اتخذ “الإذاعة الوطنية” قاعدة يستخدمها لتوجيه تعليماته و أوامره لقواعد الحركة والحزب. و كان يقول في تحدٍّ عجيب للصعوبات: “نحن لا نمتلك هواتف ولا أجهزة إرسال ولا سيارات ولا بريد ولا مواصلات؛ كيف نتواصل مع قواعدنا في بلد مترامي الأطراف؟ و يضيف: الحل الوحيد هو استغلال “إذاعة الدولة” وإرسال بريدنا العاجل عبر برنامج “البلاغات الشعبية”.
وبهذا الابداع استطعنا توزيع بيان الإعلان عن ميلاد “حزب الكادحين (حكم)” في لحظة واحدة و في ليلة واحدة يوم 1 اكتوبر 1973. و كان أمر التوزيع بواسطة بلاغ شعبي عبر الإذاعة الوطنية يقول:
“يخبر سيد أحمد ولد الحاج جميع الأهل في ول ينجَ و لحرج أنه وصل نواكشوط الليلة بحمد الله، وأنه في الطريق إليهم غدا، إن شاء الله”.
بدّن رحمه الله هو صاحب الخِطة من الألف إلى الياء. لقد نقل البيان في شهر شتمبر و في سرية تامة إلى كل مقاطعات الوطن، ثم أمر المسؤولين بالاستماع إلى حصة البلاغات من تلك الليلة عند الساعة 9 مساء، و في حال سماع البلاغ المذكور القيام بتوزيع البيان ابتداء من منتصف الليل.
و كانت الضربة “عابدينِيّة” وقويَة.
– يتواصل –