أيموت الانسان مرتين وهو حي يرزق..!!!
“الموت ليس نهاية المطاف بل هو رحلة من حياة محدودة ضعيفة إلى حياة أبدية أكثر اتساعا وقوة”، فـ”القبور كما يقول الجنرال ديكول ملئية بالناس الذين لا يمكن الاستغناء عنهم” و (المحسن حي وإن نقل إلى منازل الأموات).
ضمخت كل هذه الأفكار وجداني وأنا أتلقى نبأ رحيل الأخ وصديق العمر وزميل المهنة أعل ولد عبد الله فجر الأحد 27 رمضان 2442 الموافق 9 مايو 2021 حيث كان فى رحلة علاج دامت 40 يوما اختاره الله فى نهايتها لجواره وهو أرحم الراحمين وإنا لله وإنا إليه راجعون.
شعرت بهشاشة لا توصف فالفقيد بضعة مني وهو لمن لم يحالفه الحظ لمعرفته عن قرب شخص مؤمن صادق صوام قوام متواضع خدوم حلو المعشر سليم من أمراض القلوب لا تأخذه فى الله لومة لائم وهو كاتب صحفي مهني متميز ومتمرس، تحلى بأنبل الاخلاقيات المهنية جمع فوائد التعليم النظامي المبكر ومعارف التكوين الجامعي المتخصص ومهارات ممارسة مهنة الصحافة من كل المواقع وفى كل الظروف وتحت كل الأنظمة وظل نظيفا شامخا متمتعا بقدر كبير من الاستقلالية ووضوح الرؤية.
كان مدركا للحد الرفيع الواصل، الفاصل بين حق المواطن فى أن يعرف وحق الوطن فى أن يأمن ويستقر، فمصلحة الوطن بالنسبة له كانت فوق كل اعتبار وكان يقدم نفسه دائما بأنه رجل من موريتانيا فالجمهورية الإسلامية الموريتانية كانت بالنسبة له دولة ترمز لقيم الشرف والاخاء والعدل وهي قيم مجمع عليها مشرفة وصالحة لكل زمان ومكان…
تميز الراحل اعل بقدر كبير من الاستقامة فقد كنت وإياه فى بداية مشوارنا المهني حين كنا رؤساء تحرير طبعتي الشعب فى ثمانينيات القرن الماضي نتقاسم نفس المكتب ونفس السيارة وفتحنا حسابا بنكيا مشتركا تحال إليه مخصصتنا المتواضعة نهاية كل شهر وحاول بدماثة خلقه دائما أن يشعرني أني أنا صاحب المكتب وصاحب السيارة وصاحب الحساب…
كان الزميل اعل رحمه الله صواما قواما وصولا للأرحام متسما بالأريحية والشهامة والشجاعة والحلم وبقدر كبير من الوفاء لأصدقائه …
اذكر أنه لحظة إبلاغه بوفاة زميلنا حمود حادي صمت برهة من الوقت حتى خلته فى غيبوبة وعندما حاولت أن أخفف عنه قال لي: “كنت فى عالم آخر .. أخالني فارقت الحياة لدقائق فهل يعقل أن يموت الإنسان مرة وهو حي يرزق؟
وأنا الآن برحيله أعيد طرح نفس السؤال الوجودي: هل يعقل أن يموت الانسان مرتين وهو حي يرزق؟ مرة عشناها مع بعضنا يواسي كل منا الآخر لحظة رحيل المرحوم حمود والمرة الثانية أعيشها وحدي لحظة رحيله هو ..
ثبته الله بالقول الثابت ورفع درجته وغفر له وثقل موازينه ووسع نزله وأسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا.. وألهمنا جميعا الصبر والسلوان…
وإنا لله وإنا إليه راجعون…
أ . مصطفى