ملاحظات جزئية حول قرار الإقامة الجبرية!/ بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
من خلال ما ذكر في الملاحظة الأولى عن ملابسات الجلسة التي اتخذ فيها قرار الإقامة الجبرية المتهافت، وتتبع سيرة وتسيير هذا الملف تتضح بجلاء أمور كثيرة في مقدمتها:
1. أن الملف رقم النيابة 01/ 2021 لا علاقة له إطلاقا بتقرير اللجنة البرلمانية؛ بل هو ملف سياسي منفصل عن ذلك التقرير، ومناقض له، ومخالف لما ذهب إليه؛ غايته وهدفه استهداف وتوريط الرئيس السابق وعشريته الذهبية بالباطل. وقد تم خلقه من عدم على مستوى إدارة الأمن والنيابة، وبمساعدة إعلامهما الالكتروني! واستدعي فيه الرئيس السابق دون – وقبل- غيره، واعتقل فيه ظلما، وأهين، وحرم من مؤازرة محاميه وزيارة ذويه خرقا للقانون. وذلك رغم أن تقرير اللجنة البرلمانية – على علاتها وعلاته الكثيرة- لم يتطرق للرئيس السابق أو يتهمه، لأنه لم يجد أي مسوغ لذلك من حيث البينة على ارتكاب فعل مجرم، ولأنه لا يستطيع ذلك بقوة وصراحة المادة 93 من الدستور! وهذا ما صرح به بجلاء للصحافة نائب رئيس اللجنة البرلمانية، الوزير الأول الأسبق الأستاذ يحي ولد الوقف، وزكاه بعض أعضائها وأعضاء البرلمان، كالنائب محمد الأمين ولد سيدي مولود والنائب اجيه ولد محمد فاضل! يقول نائب رئيس اللجنة البرلمانية الأستاذ يحي ولد الوقف: “عندما ينظر الإعلام إلى التقديم الذي قدم به النواب عملهم يرى أنهم لم يتكلموا عن العشرية ولا عن النظام ولا عن الرئيس، تكلموا عن قطاعات معينة يريدون التحقيق فيها. ثم إن رئيس الجمهورية ليس مسؤولا بشكل مباشر عن التسيير؛ فالدستور واضح في أنه لا تمكن متابعته حول تسيير أي مرفق من المرافق العمومية. فحسب الدستور لا تمكن متابعته إلا في حالة الخيانة العظمى. فالإعلام ركز على العشرية وعلى النظام. في حين أن ما يسعى إليه النواب هو قيام البرلمان بدوره في رقابة الحكومة؛ سواء كانت هذه الحكومة أو الحكومات السابقة. وبالتالي يظهر لي أن الإعلام أخرج اللجنة من نسقها الحقيقي”. وكدليل إضافي قاطع آخر على عدم وجود صلة بين هذا الملف وبين تقرير اللجنة البرلمانية المتخَذ ذريعة وأساسا لخلقه من عدم؛ نؤكد هنا خلو الملف رقم النيابة 01/ 2021 المنشور أمام التحقيق من وجود أي نسخة من تقرير اللجنة البرلمانية “الأب”! ذلك ما صرحت لنا به كتابة ضبط فريق التحقيق مرارا عديدة كانت آخرها زوال يوم الأربعاء 26 /5/ 021 على الساعة الواحدة والنصف، بعد إلحاحنا عليها شفهيا وكتابيا نريد تسليمنا نسخة من ذلك التقرير الذي يبدو أن سبب حجبه هو وملحقاته عن الدفاع وعن فريق التحقيق هو خروج المولود “القضائي” الجديد عن محتواه!
2. أن إدارة الأمن والنيابة، وهما من خلق هذا الملف من عدم والطرف المتهم فيه، هما من يديره إلى حد الآن ومن يقود التحقيق. ويتجلى ذلك في أمور كثيرة من بينها:
* أنهما وحدهما المطلعان على جميع أوراق الملف والممسكان بتلابيبه، وأن الدفاع ما يزال إلى هذه اللحظة لم يطلع إلا على نزر قليل منه، وأن أغلبيته الساحقة وبعض الإجراءات المهمة فيه (كالإنابة “القضائية” الممنوحة للدرك في بالنشاب) ما تزال محجوبة ومُخفاة عن الدفاع رغم إلحاحه واعتراضاته وعرائضه المتتالية وقرارات محكمة الاستئناف والمحكمة العليا القاضية بوجوب تسليم الملف إلى الدفاع وتطبيق القانون!
* أن جميع طلبات النيابة في هذا الملف، العلنية منها، والسرية التي لا تعلن في الجلسة ولا تبلغ للدفاع ليرد عليها، تتم تلبيتها فورا ودون تَبَيُّن من طرف فريق التحقيق (مثال قرار الحجز على ممتلكات غير، لأن النيابة أرادت ذلك، وطلب الوضع تحت الإقامة الجبرية).
* أن جميع طلبات الدفاع يتم رفضها كلها؛ بما فيها تلك المنصوص على وجوب تلبيتها شرعا، وعملا بقانون الإجراءات الجنائية وبالمبادئ القانونية والاتفاقيات الدولية (مثال تسليم نسخة من الملف للدفاع) أو المؤسسة؛ والتي يَعِد رئيس فريق التحقيق بتلبيتها، ثم لا تلبى لأن النيابة ترفض ذلك (مثال طلب الإذن بالسفر داخل إيالة فريق التحقيق إلى بالنشاب).
3. أن القانون منتهك ومخروق ومهان ومحرف في هذا الملف عبر بعض التأويلات والتفسيرات المخالفة بصفة صارخة لصريح النص القانوني الواضح وضوح الشمس، ولإرادة المشرع، وللمبادي القانونية العامة، والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف موريتانيا، ويمكننا أن نقدم على ذلك الأمثلة التالية:
* يتمسك رئيس جمهورية سابق أنقذ البلاد من الضياع وأمّنها وبناها وطوَّرها وقادها عشرا سمانا، بحصانته المنصوصة في ترتيبات المادة 93 من الدستور؛ وهي مادة صريحة لا تحتمل أي لبس أو غموض. فترد النيابة بأن لها فهما لتلك المادة يخالف فهم الدفاع، وأن بعض فقهاء القانون يشاطرونها رأيها! ثم يسأله المحققون في صخب: هل لديك حكم قضائي أو قرار دستوري يؤكد أنك في وضعية قانونية وأنك لا تساءل أمام القضاء العادي عملا بالمادة 93؟ فهل يا ترى نسي قضاتنا الشباب في التحقيق والنيابة أن كل واحد منهم قد أقسم أمام المحكمة العليا قبل تقلده منصبه الخطير ويده على المصحف الشريف اليمين التالية: “أقسم بالواحد الأحد أن أؤدي مهامي بإخلاص وبكل حياد، مع احترام الدستور وقوانين الجمهورية… وأن أمتنع عن كل نشاط من شأنه التأثير على أي قاض آخر، وأن ألتزم كليا بالتحفظ والشرف والنزاهة التي تتطلبها هذه الوظيفة”؟! (المادة 11 من النظام الأساسي للقضاة).
* يمثل رئيس جمهورية سابق أنقذ البلاد من الضياع وأمنها وبناها وطورها وقادها عشرا سمانا تحيط به كوكبة من خيرة وأصدق محامي الوطن بعضهم في عمر آباء شباب القضاة الذين اختيروا في المجلس القضائي الأعلى الأخير الذي عقد عشية إحالة هذا الملف للتحقيق فيه! فيطول الانتظار وعدم المبالاة، وإذا قدر أن بدأت الجلسة، لا يقفون احتراما لرئيسهم وكبرائهم وعمدائهم، ويخيم الجفاء والاستهزاء، ثم يسود الهرج والمرج والضجيج والمقاطعة والتهديد والوعيد واستعمال ضمير المفرد.. إلخ. وأدهى من ذلك وأمر تداس القوانين وتنكر العدالة وتنتهك الحقوق والحريات، دون أن يخطر على بال ما يسببه ذلك من وبال وتدمير للبلاد عموما، ولمرفق العدالة خصوصا، ولمنظومة قيمنا وأخلاقنا النبيلة بصورة أخص! أو يتذكر مدكر أن للتاريخ ذاكرة لا تنسى تكتب الخير بأحرف من ذهب في صفحاتها الناصعة، وتنحت الشر عارا أبديا لا يمحى في جبين صاحبه. خاصة إذا علمنا أن المادة 32 من النظام الأساسي للقضاة تقول: “كل تصرف من قاض يمس من الشرف أو يتنافى مع اللباقة والرزانة يشكل خطأ تأديبيا”.
* تنتهك وتخرق – تلبية لرغبات سياسية- جميع القواعد الإجرائية التي تصون حقوق الدفاع، وتضمن حضورية وعدالة الإجراءات الجنائية وحفظ توازن حقوق الأطراف (المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية، والمادتان 105، و123 منه، وقرار المحكمة العليا بوجوب تسليم ملف القضية إلى أطرافها، مثلا)!
يتبع بإذن الله