غزواني و الوفاء بالعهـــد/ الحضرمي ولد محمد ولد انداه
الوفاء بالعهد من شيم الأوفياء، وخصال الأصفياء، يحمد عليه صاحبه، و يذم كل من تخلى عنه بالفطرة البشرية، فالإنسان بطبعه يبغض نقض المواثيق، و يعلم قبح إخلاف الوعد، و المسلم أولى الناس بالوفاء، لأن هذا الدين يأمر بكل خلق حسن نبيل، و ينهى عن كل خلق قبيح، و يبقى الوفاء نابضا في بعض القلوب التي حملت شعلته المضيئة فسطرت عنوان البقاء على العهد، وهو ما ينطبق بالفعل على فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، فبحكم معرفتي به عن قرب قبل أن يكون رئيسا أُكبر، و أُجل فيه جملة من الخصال الحميدة من آكدها أنه أحد الموفين بعهدهم إذا عاهدوا، فهو كريم بطبعه، والإنسان الكريم هو من يستطيع الوفاء بالعهد، لأن الوفاء من شيم الكرام.
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
إن الكريم إذا حباك بموعد ** أعطاكه سلسا بغير مطال
و من المهم التذكير هنا بفقرتين من خطاب فخامة رئيس الجمهورية في حفل إعلان ترشحه حيث يقول:
“إيمانا مني بضرورة رفع التحديات الماثلة و مواجهة المخاطر المحدقة، قررت مستعينا بالله تعالى، متكلا عليه الترشح لنيل ثقتكم في الانتخابات الرئاسية القادمة، آملا أن تمنحوني – و إن لم أكن أفضلكم – الفرصة لأخدم وطني و في الذهن جسامة المسؤولية”.
“و أتعهد – و للعهد عندي معناه – أن أوظف بصدق و جد و إخلاص ما من الله به علي من تربية و تكوين و تجربة و خبرة في مفاصل الدولة في سبيل معالجة مكامن الخلل و سد مواطن النقص أيا تكن، و تحقيق طموحنا المشروع في بناء مجتمع عصري، يستمد قوته من قيمته الإسلامية و أصالته، و يكفل لكل مواطن حقه في الحرية و المساواة و الرفاه”.
والمنطلق من هاتين الفقرتين يسجل بارتياح مدى استشعار صاحبهما لثقل المسؤولية، و تقديره لها إدراكا منه للآمال، و الطموحات المشروعة لكل فرد من هذا الشعب العزيز في الظفر بأسباب العيش الكريم، و الاطمئنان على حاضره و مستقبله، وهو ما بدأ يتحقق فعلا فقد وقع فخامته في الأسبوع الماضي مرسوما رئاسيا يقضي بتقديم وزارة الشؤون الإسلامية و التعليم الأصلي في الترتيب لبروتوكولي لتصبح ضمن وزارات السيادة، و باتت وفق المرسوم في المركز الخامس قادمة من السابع، متقدمة على وزارتي الشؤون الاقتصادية و ترقية القطاعات الإنتاجية و المالية.
و في نفس الأسبوع و بالتحديد في خير أيامه “يوم الجمعة” أشرف فخامة رئيس الجمهورية خلال حفل مهيب أقامته المندوبية العامة للتضامن الوطني و مكافحة الإقصاء “تآزر” على أكبر عملية تأمين صحي شهدتها البلاد، حيث أعطى فخامته إشارة انطلاق عملية توزيع بطاقات التأمين الصحي لصالح 100 ألف أسرة متعففة، و سلم فخامته بطاقات التأمين لعدد من المستفيدين يمثلون مختلف ولايات الوطن، وهوما يجسد وفاء فخامته ب “تعهداته” في الرفع من مستوى عيش الطبقات الأكثر فقرا و هشاشة، و تسهيل نفاذهم إلى الخدمات الصحية ذات الجودة، عبر توسيع التغطية الصحية الشاملة للأسر الأكثر فقرا، و هو ما سيساعد على دعم منظومتنا الصحية طبقا لاستراتيجية الحكومة في هذا المجال، عبر التدخل للرفع من مستوى الخدمات الصحية، و جعلها في متناول الجميع، بغية الحد من المعاناة، و الوفيات أيا كانت أسبابها، خصوصا لدى أفراد ال100 ألف أسرة الأكثر فقرا، وهو ما يقدر بحوالي 620 ألف شخص من المشمولين في “برنامج تكافل”، مما سيمكنهم من الاستفادة من تغطية صحية شاملة و مجانية.
فبقدر ما لقي هذا الإنجاز من ترحيب و استحسان، و تثمين من جُلِّ الفرقاء السياسيين أكد أيضا للمشككين -رغم قلة عددهم- بأن الرؤية الاستشرافية لفخامة رئيس الجمهورية، و طموحه لبناء وطن متصالح مع ذاته هي السبب الوحيد و الوحيد فقط للدعم غير المسبوق الذي حظي به، و استحق على إثره، و بجدارة لقب “مرشح الاجماع الوطني”، حيث دعمته فئات عريضة من الشعب الموريتاني لم تكن يوما لتساير النظام، و لا لتدور في فلكه لو لا أن فخامته اقنعها بخطابه الرصين، والهادف، و قدرته على إدارة الأمور بحزم، و تؤدة دون إفراط أو تفريط، رغم سعي بعض داعميه آنذاك لأن يكون صداميا، وهو ما لم يفلحوا في جره إليه ”
أما اليوم، و قد اتسعت رقعة تطبيق برنامج “تعهداتي” الذي لامس هموم المواطنين، وعالج مكامن الخلل التنموي للدولة، فإنه أصبح لزاما علينا كقادة، ومناضلين في صفوف الأغلبية، وبالأخص حزبنا العتيد “حزب الاتحاد من أجل الجمهورية” الذي شُدَّ عضدنا فيه بقادة أكفاء لم يكن الحزب ليغفر بانتمائهم لو لم يتخذ من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وبرنامجه الانتخابي “تعهداتي” مرجعية وسعت من رقعة الانتماء إليه فانصهرت في بوتقته “أحزاب عريقة”، و”مبادرات شعبية” داعمة لفخامته.
و لا شك أن تضافر جهود الجميع سيصب في التنويه، و الإشادة بما تحقق، و ما هو قيد التحقق من انجازات ملموسة بدأ انطلاق قطارها يوم تسلم فخامته دفة الحكم في البلاد، مما عزز هيبة الدولة، وساهم إلى حد كبير في القطيعة مع سلبيات الماضي المستبيح للمال العام، وهو ما أبان عنه تقرير “لجنة التحقيق البرلمانية” التي قدمت عملا أكثر من رائع في وقت وجيز، و دون سابق تجربة مفسحة المجال أمام السلطة القضائية للاضطلاع بالدور المنوط بها بعيدا عن أدنى تدخل في صلاحياتها من قبل السلطة التنفيذية، و تجسيدا لمبدأ الفصل بين السلطات، فتم إعفاء وزراء، و مدراء كبار ظهرت أسماؤهم في تقرير اللجنة ليتفرغوا للدفاع عن أنفسهم في رسالة واضحة الدلالة مفادها أن للمال العام حرمته لدى النظام الحالي، بعيدا عن المحاباة، و الزبونية التي عانيناها في حقب غابرة.
و هو ما يحتم علينا تضافر الجهود، و الشد على أيدي القائمين على الشأن العام من أجل استرداد ثرواتنا المنهوبة التي نحن في أمس الحاجة إليها لدعم مسار التنمية، و قطعا للطريق أمام كل من تسول له نفسه مستقبلا التلاعب بمقدرات البلاد التي ظلت مستباحة لعقود دون التفكير بمؤازرة الطبقات الهشة التي تعتبر أولوية الأولويات في برنامج “تعهداتي” الذي يغيظ المتربصين بوحدة البلاد، و أمنها لغرض مصالح شخصية ضيقة، متخفين وراء بعض الأراجيف، و الفقاعات الإعلامية التي تظهر كيدهم، و خبث طويتهم، و سعيهم الدؤوب لتعكير صفو “الاجماع الوطني” الذي نتج عنه مناخ سياسي طبيعي، و هادئ يضطلع فيه كل فاعل بدوره الدستوري انطلاقا من تموقعه السياسي، و تعزز هذا المناخ أكثر بعد رفع جل المظالم، و تصالح الفرقاء السياسيين فيما بينهم، و اجماعهم على حسن إصغاء فخامة رئيس الجمهورية، و إرادته الجادة التي لا تخطئها العين لنبل هدفها، و صدقه، و سموه أملا من فخامته بمواصلة خدمة الوطن من موقع جديد، و ظل هذا الأمل يكبر، و يتسع بتنامي حجم الاجماع السياسي، و الالتفاف الشعبي حول مشروع الدولة، و المجتمع الذي تقدم به ليصبح في النهاية أمل أمة بأكملها، تدشينا لمسار تنموي للمواطن الموريتاني الذي هو غايته، و منطلقه، في حضن وطن يضمن له الرفاهية ،و الأمان، سبيلا للتدرج في مصاف الأمم ،و إلحاقه بركب الدول المتقدمة ،ورفع بيرقه لماعا في الخافقين.