فقه “اللحلحة”/ أدي آدب
يتفنن الموريتانيون في ابتداع مصطلحات للظواهر الاجتماعية المُسْتجدّة، سلبيها وإيجابيها، مثل إطلاق “اللحلحة”، على ممارسة التزلف -المبالغ فيه- لذوي السلطة والمال والجاه؛ حيث أصبحت هذه الظاهرة شبه مهنة، تتزاحم فيها مناكب من ينتحلون صفة نُخَبَ الساسة، والمثقفين، مع مناكب نافخي أبواق الدعاية والدعاية المضادة، من كل من هبَّ ودبَّ، من مؤجِّري حناجرهم، وأقلامهم، أو عارضيها للتأجير، على الأقل.
وبما أن هذه الظاهرة تنتعش أكثر في مواسم الحملات الانتخابية وأخواتها، فإنني اليوم بعيد انتهاء موسم حملاتي، وقبيل بداية موسم آخر، أقف على أطلال فصاحة اللهجة الحسانية الموريتانية، نابشا – في فقه اللغة- علاقة هذا اللفظ بأصوله الدلالية في العربية الفصحى.
ولعل المفارقة الأولى هي أني لم أجد معنى الحذلقة اللغوية ضمن معانيها الأصلية.
والمفارقة الثانية، أنها تدل على الثبات على الأمر؛ ففي معاجمنا: (لحلح الْقَوْم ثبتوا مكانهم فَلم يبرحوا)، وهذه كارثة، لأن الثبات على الباطل ليس محمدة.
مع أن المفارقة الثالثة هي أن “اللحلحة” عندنا يتفاعل فيها “الثابت والمتحول”، فمهما ثبت عليها مُمْتَهِنُها، فهو يتحول ويترحل من “مُلَحْلَحٍ” له إلى آخر، وهذه الازدواجية الدلالية متحققة في المعاني الأصيلة للكلمة؛ فإذا كان هناك معجميا: (لحلح القوم ثبتوا)، فهناك أيضا: تلحلح.. ولحلح (فلان عن المكان: تزحزح).
وأخيرا تتجلى خاتمة المفارقات؛ وهي أن الموقف في هذه الممارسة يظل محرجا، وناتجها -مهما غلا- يبقى هزيلا، حيث تقول معاجمنا: إن (اللحْلح: الْمَكَان الضّيق)، (وخبزة لَحْلَحٌ يابسة).