الإخوان المسلمون والعلاقة بالسلطة/ محمد بن المختار الشنقيطي
لاتزال العلاقة بالسلطة السياسية من أكبر المعضلات التي تواجه حركة الإخوان المسلمين بمختلف تجلياتها عبر العالم. وتتجلى أبعاد هذه المعضلة في أمرين متناقضين:
واجب تغيير السلطة الفاسدة، باعتباره بندا من خطط أي حركة تغيير جادة.
وضرورة التعايش معها مرحليا، أخذا بدواعي المصلحة، وإقرارا باختلال ميزان القوة.
فالمواجهة بغير عدة انتحار، والتعاون مع السلطة المستبدة يؤثر سلبا على نقاء صورة الحركة ونصاعة خطابها. والترجيح يستلزم فقها خاصا، مبنيا على إدراك مقاصد الشرع ومناط المصلحة، وفكرا إستراتيجيا يحسن الموازنة في ظروف مرنة متغيرة، طبقا للحكمة التي عبر عنها عمرو بن العاص منذ أمد بعيد بقوله: “ليس العاقل هو الذي يعرف الخير من الشر، ولكن هو الذي يعرف خير الشرين”(1).
وليست الخيارات أمام حركة الإخوان المسلمين متسعة، نظرا لدكتاتورية السلط القائمة، ورفضها أي نوع من المنافسة السلمية النزيهة، وتواطؤ القوى الدولية التي لا تريد للحركات الإسلامية أن تعبر عن نفسها تعبيرا سياسيا يؤثر في واقع مجتمعاتها. وهكذا تبدو الخيارات في الأغلب محصورة في أمرين: “التعاون مع الأنظمة القائمة. أو القبول بدور المعارضة غير القانونية”(2).
لذلك يبدو خيار بناء علاقة سلمية مع السلطة خير الشرين في الظروف الراهنة. ويتضح أن المشاركة في السلطة -ما أمكن- أحسن من مواجهتها.
الحاجة إلى زيادة الخبرة ونقص الحماس
لقد لاحظ غراهام فولر –بحق- أن “أحد العيوب الرئيسية في الأنظمة الاستبدادية هو أنها تغلق سبل التجارب السياسية والنضج السياسي أمام الناس. فالإسلاميون بتركيزهم على موضوع الاستيلاء على السلطة رأسا -دون خطوات تمهيدية- لن تكون أمامهم فرصة لتعلم أي شيء عن المسار السياسي نفسه، بما فيه التفاوض والتنازل، وصناعة القرار، وتطوير قواعد إجرائية في ممارسة السلطة”(3).
”
أهم ما في العلاقة الطبيعية بالسلطة، والمشاركة في المعترك السياسي المحلي أنهما يمكنان الحركة من اكتساب خبرة عملية ويضمنان للحركة تطورا طبيعيا، دون طفرات مباغتة
”
كما لاحظ فولر “حاجة الإسلاميين إلى صياغة قواعد سياسية وتكتيكية ذات صلة بالواقع السياسي السائد. وهو أمر يتطلب استيعابا عمليا للمسرح السياسي. فالإلحاح على المبادئ العامة لا يغني شيئا، إذا تم تضييع فرص الاستفادة من الواقع السياسي والاجتماعي”(4).
لذا فإن أهم ما في العلاقة الطبيعية بالسلطة، والمشاركة في المعترك السياسي المحلي -على علاته– إنهما يمكنان الحركة من اكتساب خبرة عملية هي في مسيس الحاجة إليها للمستقبل، ويضمنان للحركة تطورا طبيعيا، دون طفرات مباغتة تؤذي مسيرتها، وتؤذي المجتمع برمته، كما حدث في تجربة “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” الجزائرية في التسعينات.
وأقل ما تثمره العلاقات السلمية بالسلطة والمشاركة فيها أنها تخفف من حماس الإسلاميين إذا وصلوا إلى قيادة مجتمعاتهم، وتجنبهم مساوئ الانتقال المفاجئ، التي قلما تسلم منها الثورات.
إن الثورة الإيرانية لما حصلت على نصر مفاجئ -وقوده الحماس وليس الخبرة- وانتقلت بإيران من النقيض إلى النقيض، من الشاه إلى الخميني -دون تمهيد كاف – جرها ذلك إلى ارتكاب أخطاء سياسية ودبلوماسية جسيمة –مثل احتجاز الرهائن الأميركيين- لاتزال تدفع ثمنها حتى اليوم.
خمس ثنائيات في التعاطي مع السلطة
ويتعين على حركة الإخوان المسلمين التعاطي مع عدد من الثنائيات الفكرية والسياسية المهمة، من أجل تحقيق تعاون مثمر أو تعايش مقبول مع السلطة في بلدانها. ومن هذه الثنائيات:
ثنائية القبول والرفض:
فأول ما يواجه الحركة في هذا المضمار هو تحدي التوفيق بين القبول بالسلطة كما تقتضي سياسة التعايش، ورفض شرعية هذه السلطة في ذات الوقت، وهي سلطة غير شرعية تسعى الحركة إلى إيجاد بديل عنها نهاية المطاف. إنها المعادلة الصعبة التي وصفها الدكتور جمال الدين عطية بأنها جمع بين “أسلوب العمل المتاح في ظل الأنظمة، وأسلوب العمل الرافض لأساس الأنظمة”(5).
ثنائية التغاضي والتبرير:
فالتعايش مع السلطة أو التعاون معها يقتضي التغاضي عن بعض الأمور، دون تبرير لها. لكن الحدود بين التغاضي والتبرير غير واضحة تماما لبعض الإخوان. ولعل تجربة حركة “حمس” الجزائرية اليوم غير بعيدة من هذا المنحى، حيث طغت الاعتبارات الشخصية والحزبية على تفكير الشيخ محفوظ نحناح وبعض أتباعه من الإخوان الجزائريين، فوقفوا موقفا تبريريا من مصادرة حق الشعب الجزائري في الاختيار، واضطهاد القوى الإسلامية والوطنية التي خالفتهم منحاهم السياسي.
ثنائية المعارضة والمواجهة:
فالمعارضة لا تعني بالضرورة مواجهة، وكل اختلال غير محسوب في هذه المعادلة قد يؤثر آثارا سيئة على الحركة وعلى المجتمع. لكن هذه المعادلة غابت –فيما يبدو- عن بال حركة الإخوان المسلمين في سوريا مطلع الثمانينات، فقادها ذلك إلى صراع مدمر مع السلطة. وهو خلط ليس خاصا بهذه الحركة على أية حال، كما لاحظ الدكتور النفيسي في قوله : “ثمة خلط واضح في صفوف الحركة الإسلامية بين مفهوم “المعارضة للسلطة”، ومفهوم “الصراع مع السلطة” (6).
ثنائية الإستراتيجية والتكتيتك:
والمقصود بها الموازنة بين أهداف الحاضر التكتيكية وأهداف المستقبل الإستراتيجية، وهو أمر يستلزم حسا عمليا عميقا، لا تملكه بعض القيادات الإخوانية التي تنشغل أحيانا بأهداف “من شدة ضخامتها تصبح مبهمة”(7). فالتعايش مع الحكام في سبيل إيجاد بديل عنهم، يرجع في النهاية إلى مبدأ الموازنة هذا. لكن المتتبع لجماعات الإخوان المسلمين يجد أن أكثرها لم تفلح في مثل هذه الموازنة.
ثنائية الخطاب والفاعلية:
فبعض من جماعات الإخوان المسلمين تتحرج من التحالف مع حاكم غير إسلامي، أو قوى سياسية وطنية، حرصا على الصورة الزاهية لرجالها، وتهدر الكسب الإستراتيجي الذي قد يثمره ذلك في المستقبل. فحينما طلب الحكم الناصري من المرشد العام للإخوان – الهضيبي- ترشيح أفراد منهم للمشاركة معه في السلطة رفض الاشتراك إلا أن يكون الحكم إسلاميا 100%، ورشح لهم بعض الكفاءات من غير الإخوان (😎. وقد دعا الدكتور حسان حتحوت هذه الظاهرة “عبادة الصورة”. وهي في جوهرها عجز عن التوفيق بين دواعي الدعوة والخطاب ودواعي الفاعلية السياسية.
لقد شهد تاريخ الإخوان مدا وجزرا في التعامل مع هذه الثنائيات، ونجاحا وإخفاقا في ذلك، بحسب الفكر السائد، والقيادة المسيطرة، والظروف المحيطة.
من فكر الاكتساب إلى فكر المفاصلة
كان حسن البنا رجلا متفائلا مقداما بطبيعته، يؤمن بالاكتساب والاستيعاب. ولم ينظر إلى الأنظمة الحاكمة تلك النظرة التشاؤمية التي ظهرت لدى بعض أتباعه فيما بعد. بل كان يدرك أن لا مجال للفكر الإطلاقي في العمل السياسي، ولا وجود في السياسة لخير مطلق وشر مطلق، وإنما يتعين التفاعل مع الموجود ودفعه للأحسن. وقد بذل حسن البنا جهدا مضنيا للتأثير على الملك الشاب (فاروق) الذي وجده أفضل من سلفه، وحاول احتواءه. بل لم يستبعد البنا -في إحدى المقابلات- أن يعينه فاروق رئيسا للوزراء، ويتبنى برنامجه السياسي.
كما كان البنا حريصا على عدم المفاصلة مع القوى السياسية الأخرى، والتيارات الفكرية والإيديولوجية المخالفة، ومن هنا تأكيده المتكرر أن الفكرة الإسلامية ليست نقيضا للفكرة القومية أو الوطنية، وحرصه على مد جسور التفاهم والاتصال مع السلطة حتى في أوج الأزمة التي انتهت باغتياله.
وما يقال عن حسن البنا يمكن أن يقال عن الدكتور مصطفى السباعي مؤسس حركة الإخوان في سوريا، فقد برهن الرجل على حنكة ومرونة سياسية وفكرية، وإيجابية في التعامل مع السلطة، ومشاركة جدية في المسار السياسي.
لكن أجواء الاستقطاب الإيديولوجي والسياسي التي سادت في الستينات والسبعينات، جعلت الإخوان في أغلب الدول العربية يتجهون وجهة مغايرة لنهج حسن البنا في الاكتساب والاستيعاب، والتعاطي الإيجابي مع السلطة والمجتمع، ويميلون إلى فكر المفاصلة والمجانبة، والتمحور حول الذات، وسوء الظن بالدولة وبالمجتمع.
لقد أصيبت حركة الإخوان في هذه الحقبة بداء الفكر الإطلاقي الذي لا يولي اعتبارا للواقع العملي، بل ينشغل بالتغني بالمبادئ الجليلة، دون تفكير في المناهج العملية التي تخدم تلك المبادئ.
”
الفكر الإطلاقي الذي تجسد في كتب سيد قطب المتأخرة، هو فكر يريح الضمير لكنه لا يقود إلى العمل، إنه إدانة للواقع الظالم لكنه ليس سعيا لتغييره.
”
والفكر الإطلاقي الذي تجسد –أكثر ما تجسد- في كتب الشهيد سيد قطب المتأخرة، هو فكر يريح الضمير لكنه لا يقود إلى العمل، إنه إدانة للواقع الظالم لكنه ليس سعيا لتغييره. ولم تكن تلك طريقة حسن البنا، الذي كان رجلا عمليا، وكان يوصي أتباعه بذلك، وقد عبر عن ذلك بصيحاته المتكررة: “كونوا عمليين لا جدليين”(9).
وقد أورث الاتجاه العملي عند البنا تفاعلا مع جهد الحركة ورسالتها، وبناء سمعة سياسية لها في الدولة والمجتمع، بينما كان للفكر الإطلاقي لدى سيد قطب ثمرة مناقضة تماما. وهو أمر أدركه المستشار طارق البشري بعمق، ووصفه ببلاغة في قوله: “إن سيد قطب صاحب فكر يختلف كثيرا عن فكر حسن البنا رحمهما الله … فكر حسن البنا فكر انتشار وذيوع وارتباط بالناس بعامة، وهو فكر تجميع وتوثيق للعرى. وفكر سيد قطب فكر مجانبة ومفاصلة، وفكر امتناع عن الآخرين. فكر البنا يزرع أرضا، وينثر حبا، ويسقي شجرا، وينتشر مع الشمس والهواء. وفكر سيد قطب يحفر خندقا، ويبني قلاعا ممتنعة عالية الأسوار”(10).
إن حَمَلة الفكر الإطلاقي يغفلون في العادة عن قضية عملية مهمة، هي أن عدم شرعية أي نظام سياسي، لا تعني بالضرورة عدم شرعية أفعاله. فمسألة بناء السلطة تختلف عن مسألة أدائها، والتعاون مع سلطة غير شرعية فيما تقوم به من أعمال شرعية أمر سائغ. وتلك إشكالية عملية حسمها الفكر الإسلامي منذ حرب (صفين) منتصف القرن الأول الهجري، حينما وجد الناس أنفسهم مضطرين إلى التعايش مع الملك العضوض.
ولذلك فإن الشرع المبني على جلب المصالح ودفع المفاسد، والحياة المعاصرة المتشابكة الأوجه والمظاهر، والتحديات التي تواجهها الأمة من الخارج، والاختلالات العميقة التي تعاني منها. كلها أمور تفرض نوعا من الواقعية السياسية، التي تتعايش مع الظلم سعيا إلى تغييره، وتتغاضى عن بعض الشر تجنبا لما هو شر منه.
والذين يتبنون المواجهة الهوجاء مع الحكام ينسون أن إشعال الحرب أمر سهل، لكن كسبها ليس كذلك. وقد صور الشاعر اليمني عبد الله البردوني ذلك، وهو يتأمل مصائر بعض الحركات الثورية العربية، فقال:
والأُباة الذين بالأمس ثـاروا أيقظوا حولنا الذئاب ونامـوا
حين قلنا قاموا بثورة شعـب قعدوا قبل أن يُرَوْا كيف قاموا
ربما أحسنوا البدايات، لكـن هل يحسون كيف ساء الختام؟ (11)
كما أدرك ذلك الحكيم الأفريقي (نلسون مانديلا) فقال: “الثورة ليست مجرد الضغط على الزناد، ولكنها حركة تهدف إلى إقامة مجتمع العدل والإنصاف” (12).
مثالان مختلفان في العلاقة بالسلطة
نورد فيما يلي تجربتين مختلفتين في العلاقة بالسلطة لدى جماعتين مختلفتين من جماعات الإخوان، انطلقت إحداهما من فلسلفة حسن البنا الاكتسابية الاستيعابية، وتأثرت الأخرى بفكر المفاصلة والمجانبة لدى سيد قطب، وبظروف قهر ومحنة لا تنمي روح الاعتدال والواقعية.
أولا: عبد الناصر والإخوان في مصر
اعتاد الإخوان في مصر أن يكتبوا عن علاقتهم بعبد الناصر بعقلية “الجبرية الأموية” أو “الكربلائية الشيعية” وهما وجهان لتصور واحد، ينطلق بأن ما كان هو حدود الإمكان، وأن لا مجال للنقد والمراجعة. ولا مكان في هذه الكتابات لفكرة “الإمكان التاريخي”، ولا مجال فيها للتمييز بين الخطأ والخطيئة. فضاعت على الإخوان -في مصر أولا، ثم في كل أرجاء العالم- فرصة الاعتبار بالأخطاء التي قادت إلى أكبر محنة في التاريخ الإسلامي المعاصر.
وانشغل كتاب الإخوان بالحديث عن خطيئة عبد الناصر في اضطهاد الحركة، عن أخطاء التقدير السياسي والإستراتيجي التي ارتكبها قادة الحركة من غير وعي بها، ولا إدراك لما يترتب عليها، فساعدت على الدخول في الورطة، وفوتت على الحركة فرصا عظيمة للازدهار والتمكين.
لقد كانت فرص الإخوان المصريين في التفاهم مع سلطة “الضباط الأحرار” واحتوائها – أو تحييدها واجتناب شرها على الأقل – فرصا عظيمة. فالإخوان شركاء في الثورة يومذاك، ولهم وجود معتبر بين الضباط حينها، كما أن قادة الثورة المصرية ابتدؤوا حكمهم متحمسين للتفاهم مع (الإخوان) تقديرا لجهدهم في الثورة، وسعيا إلى احتواء قوتهم السياسية والعسكرية، وتوظيفها ضد ذيول السلطة الملكية.
كانت علاقة الإخوان بالثورة المصرية مثل علاقة الشيوعيين السودانيين بثورة النميري. هم شركاء في الثورة، وحلفاؤها الطبيعيون، مع التحفظ منهم والسعي إلى احتوائهم، ضمن التنافس الداخلي بين الأجنحة والرجال الأقوياء في التشكيلة القيادية الجديدة. والمؤسف أن الإخوان في مصر ارتكبوا نفس الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية التي ارتكبها الشيوعيون السودانيون بقيادة عبد الخالق محجوب. فقد اشترط عبد الخالق محجوب على النميري “اشتراكية كاملة” للمشاركة معه في السلطة، واشترط الهضيبي على عبد الناصر “أن يكون الحكم إسلاميا 100%”، وكأن الحكم الإسلامي مجرد قرار فوقي تتخذه سلطة تائبة، وليس مسارا متدرجا وطريقا طويلا يقطعه رجال يحملون مبادئ الإسلام بصبر وإيجابية وتفاعل مع الواقع المنحرف.
لقد سقط الإخوان آنذاك ضحايا فكر إطلاقي لا يعترف بالتدرج أو الحلول الوسط، وخلطٍِ بين الأهداف المرحلية والمستقبلية، ونقصٍ في إدراك الواقع السياسي بكل تفصيلاته وملابساته:
فوقفوا إلى جانب محمد نجيب ضد عبد الناصر، دون إدراك لميزان القوة داخل القيادة العسكرية المصرية، فكان رهانهم خاسرا.
وعارضوا اتفاقية “الجلاء” مشاكسة لعبد الناصر، مما منحه ذريعة لاتهامهم بالعمالة للاستعمار وقمعهم بقسوة.
ورفضوا الاشتراك في السلطة، رغم أنه كان كفيلا بترسيخ وجودهم وقوتهم السياسية، وأهم من ذلك أنه سيحميهم من بطش ثورة فتية مضطربة.
تلكم بعض أخطاء التقدير والمزالق السياسية التي وقعت فيها قيادة الإخوان في علاقاتها بالثورة الناصرية، والحديث عنها أكثر فائدة وأكبر ثمرة للإخوان من الحديث عن طغيان عبد الناصر واستبداده، إذا كانوا يرغبون في اكتساب الخبرة واستخلاص العبرة للمستقبل.
ثانيا: النميري والإخوان في السودان
ربما كانت تجربة الإخوان المسلمين في السودان أثرى التجارب الإسلامية في التعامل مع السلطة، فقد اعتمد الإخوان السودانيون منهجا إيجابيا في العلاقة بالسلطة، اختلفت صور التعبير عنه من المواجهة الشعبية إلى التحالف الوثيق، ومن الغزو الخارجي إلى الاختراق الداخلي، ومن منابر البرلمانات والجامعات إلى ثكنات الجيش والأمن. وفي كل هذه الأحوال ظل منهج الحركة مطبوعا بالجرأة والواقعية والمرونة. لكن تحالف حركة الإخوان في السودان مع النميري يمثل ظاهرة خاصة في حجمها ومداها وأثرها على تطور الحركة اللاحق. ولذلك نخصها بالحديث هنا.
وصل النميري إلى السلطة عام 1969وكان –أول عهده– مفتونا بالتجربة الناصرية بمصر، ميالا إلى الفكر اليساري، فسمى مجلسه العسكري باسم “الضباط الأحرار”، وأسس “اتحادا اشتراكيا سودانيا” يطمح إلى احتواء القوى السياسية الأخرى، على طريقة “الاتحاد الاشتراكي العربي” الذي أسسه عبد الناصر، وأصدر كتابا باسم “الميثاق الوطني” على شاكلة كتاب “فلسفة الثورة” لعبد الناصر.
وكان النميري أول رئيس سوداني فتح الباب أمام المستشارين السوفيات (13) “وبلغ ذلك (التوجه اليساري) قمته في احتفال البلاد بالعيد المئوي لميلاد لينين، في أبريل 1970” (14). وأهم من ذلك من الناحية السياسية أن النميري لم يكن أول عهده يخفي عداءه للإسلاميين السودانيين. فلا غرابة أن اصطدمت حركة الإخوان المسلمين في السودان بنظام النميري من أول يوم.
لكن النميري لم يكن يساريا عقائديا، بقدر ما كان رجلا قُلَّبا، يدور مع التوجهات السياسية في القاهرة حيثما دارت. فانتقل من اشتراكية عبد الناصر إلى رأسمالية السادات، ومن التحالف مع السوفيات –على طريقة عبد الناصر- إلى التحالف مع الأميركيين على طريقة السادات. ومن استئصال الإسلاميين بالتعاون مع الشيوعيين كما فعل عبد الناصر، إلى التفاهم مع الإسلاميين لاستئصال الشيوعيين كما فعل السادات. ومن إعلان الحرب على إسرائيل -عبر لاءات الخرطوم الشهيرة- أيام عبد الناصر، إلى التواطؤ معها في تهجير “الفلاشا” تجاوبا مع “كامب ديفد” السادات.
”
وجد الإخوان السودانيون –بعد ثمانية أعوام من الصراع الدموي– فرصة للتقارب مع النميري، بعد خلافه مع حلفائه اليساريين، ومحاولتهم الانقلاب عليه بقيادة الرائد هاشم العطا فقرروا المصالحة معه وتجاوُز الماضي المرير في العلاقة به
”
ومع ذلك وجد الإخوان السودانيون –بعد ثمانية أعوام من الصراع الدموي– فرصة للتقارب مع النميري، بعد خلافه مع حلفائه اليساريين، ومحاولتهم الانقلاب عليه بقيادة الرائد هاشم العطا يوم 19/7/1971 فقرروا المصالحة معه وتجاوُز الماضي المرير في العلاقة به. فأنتج ذلك ثمانية أعوام من التحالف الصعب، لكنه المثمر سياسيا بالنسبة للإخوان في السودان.
وقد نجحت حركة الإخوان في السودان في جني ثمرة ذلك التحالف على جبهات عدة، منها: النمو والامتداد السريع في قاعدتها، واكتساب خبرة ومراس سياسي وإداري، وبناء قاعدة مالية قوية، واختراق الجيش والأمن.
وحينما آذى النميري حلفاءه من الإخوان بالحرب، وزج بهم في السجون يوم 10 مارس 1985 كانت الحركة قد قطفت ثمار المصالحة كاملة غير منقوصة، ورسخت قدمها في الدولة والمجتمع بشكل لا يمكن اجتثاثه. فلم تكن تلك الاعتقالات نهاية الحركة –كما أراد النميري– بل كانت نهاية النميري نفسه، الذي لم تتجاوز فترة حكمه بعدها شهرا واحدا.
ثغرة في الطريق المسدود
لقد رأينا كيف ساد الفكر الإطلاقي وسوء الظن بالسلطة والمجتمع تفكير الإخوان في الستينيات والسبيعنيات –مع استثناء الحالة السودانية- لكن الثمانينات شهدت تطورا جديدا في تفكير الإخوان المسلمين تجاه التعامل مع الأنظمة الحاكمة، وفي تفكير الأنظمة في تعاملها مع الإخوان. فقد كانت موجات الاضطهاد في السجون المصرية، ثم القمع الساحق على أيدي القوات السورية دروسا مريرة للإخوان، أدركوا من خلالها أن الدولة المعاصرة بشموليتها وقسوتها، لا يمكن تغييرها من خارجها أو تحديها بالقوة.
كما أدرك الحكام أن الإخوان -بثباتهم ومصابرتهم على الاضطهاد- لا يضرهم القمع ولا يستأصلهم، بل يزيد أنصارهم وأتباعهم كل يوم، ويرسخ وجودهم في المجتمع، شأن جميع حركات التغيير ذات الجذور الضاربة في ثقافة الشعب وتاريخه.
وهكذا توصل الطرفان –وإن بطرق مختلفة– إلى نفس النتيجة، وهي فشل سبيل المواجهة، فانفتحت بذلك ثغرة في الطريق المسدود.
ومنذ ذلك التاريخ يحاول الإخوان إيجاد موطئ قدم لهم في المعترك السياسي، متجاوزين كل تراث التحفظ الماضي، ومادين أيديهم للتفاهم مع القوى الوطنية الأخرى، ومع الأنظمة الحاكمة، ومستعدين لدفع الثمن السياسي الذي تقتضيه سياسة التعايش. وقد تجلت هذه الظاهرة في نموذج سياسي وفكري جديد، عماده الإيجابية والتفاعل مع السلطة، بدلا من القنوط منها واعتزالها. فخاضت حركة الإخوان في مصر انتخابات مجلس الشعب في الثمانينات تحت مظلة “حزب الوفد الجديد”، ثم تحت راية “حزب العمل الاشتراكي” فيما بعد. ثم جاءت الأعوام التالية بمزيد من الإيجابية والمشاركة في مصر وفي دول أخرى عدة، لتؤكد أصالة هذا التطور وعمقه في تفكير الإخوان وسلوكهم السياسي.
ففي اليمن دخل الإخوان تحالفا إستراتيجيا مع الرئيس علي عبد صالح بدأ في “المؤتمر الشعبي العام” لما كان حزبا وحيدا، واستمر في عهد التعددية. ويقود الإخوان في اليمن الآن حزب “التجمع اليمني للإصلاح”.
وتتأسس إستراتيجية الإخوان في اليمن على معادلة دقيقة، تتمثل في دعم شخص الرئيس علي عبد الله صالح بقوة، ومعارضة حزبه باستماتة. ومن طرائف هذه المعادلة ما شهدتُه بنفسي في صنعاء عام 1998، حينما أعلن “التجمع اليمني للإصلاح” –وهو حزب المعارضة الرئيسي- ترشيحه الرئيس علي عبد الله لفترة رئاسية جديدة، قبل أن يعلن حزب الرئيس نفسه إعادة ترشيحه. وقد أفادت هذه العلاقة الطرفين. فقد ضمنت للرئيس صالح موقع “الملك”، وضمنت للإخوان موقعا سياسيا متميزا. كما أفادت الدولة اليمينة ذاتها، فقد استطاع الطرفان أن يقفا في وجه الانفصال عام 1993 بفضل هذا التحالف.
وفي الأردن سار الإخوان على نفس النهج مع الملك حسين طيلة فترة التسعينات، لكن علاقتهم مع وريثه الملك عبد الله اتسمت بالفتور في الغالب، والصدام أحيانا، إذ لم يظهر الملك الجديد من سعة النفس والدهاء والقدرة على الاحتواء ما كان أبوه يتسم به.
لقد قبل الإخوان منذ الثمانينات بالأنظمة القائمة واقعا سياسيا، وبدأت بعض الأنظمة تقبل بوجود الإخوان منافسا شرعيا، ويبقى طرف ثالث لا يقل أهمية وأثرا، وهو القوى الدولية ذات النفوذ على قادة الدول العربية والإسلامية. وربما تكون أحداث 11 سبتمبر، ومخاطر تحول الظاهرة الإسلامية إلى قوة عسكرية، تؤمن بالقتال سبيلا للمنازلة السياسية، دافعا للقوى الدولية لإعادة النظر في موقفها العدائي من حركة الإخوان المسلمين، ومن على شاكلتها من القوى الإسلامية المؤمنة بالتدافع السلمي. ولعل في تقدم الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة في المغرب والبحرين وباكستان وتركيا ما يزكي هذا الاستنتاج.
ومهما يكن من أمر، فإن موضوع علاقة الإخوان المسلمين بالسلطة سيكتسب أهمية أكبر في المستقبل، فقد اقتنع الحكام وظهيرهم الدولي بأن القمع المباشر لا يفيد، وأن التضييق الكامل قد يولد انفجارات غير محسوبة، وبدأت إستراتيجية الاحتواء والترويض تظهر في كل مكان. وستتوقف طبيعة الثمرات على مستوى إدراك الإخوان المسلمين لأبعاد اللعبة، واستيعاب مقتضياتها، والتعامل سياسي
|
مصر
الإخوان المسلمون والعلاقة بالسلطة
3/10/2004
*بقلم/ محمد بن المختار الشنقيطي
undefined
لاتزال العلاقة بالسلطة السياسية من أكبر المعضلات التي تواجه حركة الإخوان المسلمين بمختلف تجلياتها عبر العالم. وتتجلى أبعاد هذه المعضلة في أمرين متناقضين:
واجب تغيير السلطة الفاسدة، باعتباره بندا من خطط أي حركة تغيير جادة.
وضرورة التعايش معها مرحليا، أخذا بدواعي المصلحة، وإقرارا باختلال ميزان القوة.
فالمواجهة بغير عدة انتحار، والتعاون مع السلطة المستبدة يؤثر سلبا على نقاء صورة الحركة ونصاعة خطابها. والترجيح يستلزم فقها خاصا، مبنيا على إدراك مقاصد الشرع ومناط المصلحة، وفكرا إستراتيجيا يحسن الموازنة في ظروف مرنة متغيرة، طبقا للحكمة التي عبر عنها عمرو بن العاص منذ أمد بعيد بقوله: “ليس العاقل هو الذي يعرف الخير من الشر، ولكن هو الذي يعرف خير الشرين”(1).
وليست الخيارات أمام حركة الإخوان المسلمين متسعة، نظرا لدكتاتورية السلط القائمة، ورفضها أي نوع من المنافسة السلمية النزيهة، وتواطؤ القوى الدولية التي لا تريد للحركات الإسلامية أن تعبر عن نفسها تعبيرا سياسيا يؤثر في واقع مجتمعاتها. وهكذا تبدو الخيارات في الأغلب محصورة في أمرين: “التعاون مع الأنظمة القائمة. أو القبول بدور المعارضة غير القانونية”(2).
لذلك يبدو خيار بناء علاقة سلمية مع السلطة خير الشرين في الظروف الراهنة. ويتضح أن المشاركة في السلطة -ما أمكن- أحسن من مواجهتها.
الحاجة إلى زيادة الخبرة ونقص الحماس
لقد لاحظ غراهام فولر –بحق- أن “أحد العيوب الرئيسية في الأنظمة الاستبدادية هو أنها تغلق سبل التجارب السياسية والنضج السياسي أمام الناس. فالإسلاميون بتركيزهم على موضوع الاستيلاء على السلطة رأسا -دون خطوات تمهيدية- لن تكون أمامهم فرصة لتعلم أي شيء عن المسار السياسي نفسه، بما فيه التفاوض والتنازل، وصناعة القرار، وتطوير قواعد إجرائية في ممارسة السلطة”(3).
”
أهم ما في العلاقة الطبيعية بالسلطة، والمشاركة في المعترك السياسي المحلي أنهما يمكنان الحركة من اكتساب خبرة عملية ويضمنان للحركة تطورا طبيعيا، دون طفرات مباغتة
”
كما لاحظ فولر “حاجة الإسلاميين إلى صياغة قواعد سياسية وتكتيكية ذات صلة بالواقع السياسي السائد. وهو أمر يتطلب استيعابا عمليا للمسرح السياسي. فالإلحاح على المبادئ العامة لا يغني شيئا، إذا تم تضييع فرص الاستفادة من الواقع السياسي والاجتماعي”(4).
لذا فإن أهم ما في العلاقة الطبيعية بالسلطة، والمشاركة في المعترك السياسي المحلي -على علاته– إنهما يمكنان الحركة من اكتساب خبرة عملية هي في مسيس الحاجة إليها للمستقبل، ويضمنان للحركة تطورا طبيعيا، دون طفرات مباغتة تؤذي مسيرتها، وتؤذي المجتمع برمته، كما حدث في تجربة “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” الجزائرية في التسعينات.
وأقل ما تثمره العلاقات السلمية بالسلطة والمشاركة فيها أنها تخفف من حماس الإسلاميين إذا وصلوا إلى قيادة مجتمعاتهم، وتجنبهم مساوئ الانتقال المفاجئ، التي قلما تسلم منها الثورات.
إن الثورة الإيرانية لما حصلت على نصر مفاجئ -وقوده الحماس وليس الخبرة- وانتقلت بإيران من النقيض إلى النقيض، من الشاه إلى الخميني -دون تمهيد كاف – جرها ذلك إلى ارتكاب أخطاء سياسية ودبلوماسية جسيمة –مثل احتجاز الرهائن الأميركيين- لاتزال تدفع ثمنها حتى اليوم.
خمس ثنائيات في التعاطي مع السلطة
ويتعين على حركة الإخوان المسلمين التعاطي مع عدد من الثنائيات الفكرية والسياسية المهمة، من أجل تحقيق تعاون مثمر أو تعايش مقبول مع السلطة في بلدانها. ومن هذه الثنائيات:
ثنائية القبول والرفض:
فأول ما يواجه الحركة في هذا المضمار هو تحدي التوفيق بين القبول بالسلطة كما تقتضي سياسة التعايش، ورفض شرعية هذه السلطة في ذات الوقت، وهي سلطة غير شرعية تسعى الحركة إلى إيجاد بديل عنها نهاية المطاف. إنها المعادلة الصعبة التي وصفها الدكتور جمال الدين عطية بأنها جمع بين “أسلوب العمل المتاح في ظل الأنظمة، وأسلوب العمل الرافض لأساس الأنظمة”(5).
ثنائية التغاضي والتبرير:
فالتعايش مع السلطة أو التعاون معها يقتضي التغاضي عن بعض الأمور، دون تبرير لها. لكن الحدود بين التغاضي والتبرير غير واضحة تماما لبعض الإخوان. ولعل تجربة حركة “حمس” الجزائرية اليوم غير بعيدة من هذا المنحى، حيث طغت الاعتبارات الشخصية والحزبية على تفكير الشيخ محفوظ نحناح وبعض أتباعه من الإخوان الجزائريين، فوقفوا موقفا تبريريا من مصادرة حق الشعب الجزائري في الاختيار، واضطهاد القوى الإسلامية والوطنية التي خالفتهم منحاهم السياسي.
ثنائية المعارضة والمواجهة:
فالمعارضة لا تعني بالضرورة مواجهة، وكل اختلال غير محسوب في هذه المعادلة قد يؤثر آثارا سيئة على الحركة وعلى المجتمع. لكن هذه المعادلة غابت –فيما يبدو- عن بال حركة الإخوان المسلمين في سوريا مطلع الثمانينات، فقادها ذلك إلى صراع مدمر مع السلطة. وهو خلط ليس خاصا بهذه الحركة على أية حال، كما لاحظ الدكتور النفيسي في قوله : “ثمة خلط واضح في صفوف الحركة الإسلامية بين مفهوم “المعارضة للسلطة”، ومفهوم “الصراع مع السلطة” (6).
ثنائية الإستراتيجية والتكتيتك:
والمقصود بها الموازنة بين أهداف الحاضر التكتيكية وأهداف المستقبل الإستراتيجية، وهو أمر يستلزم حسا عمليا عميقا، لا تملكه بعض القيادات الإخوانية التي تنشغل أحيانا بأهداف “من شدة ضخامتها تصبح مبهمة”(7). فالتعايش مع الحكام في سبيل إيجاد بديل عنهم، يرجع في النهاية إلى مبدأ الموازنة هذا. لكن المتتبع لجماعات الإخوان المسلمين يجد أن أكثرها لم تفلح في مثل هذه الموازنة.
ثنائية الخطاب والفاعلية:
فبعض من جماعات الإخوان المسلمين تتحرج من التحالف مع حاكم غير إسلامي، أو قوى سياسية وطنية، حرصا على الصورة الزاهية لرجالها، وتهدر الكسب الإستراتيجي الذي قد يثمره ذلك في المستقبل. فحينما طلب الحكم الناصري من المرشد العام للإخوان – الهضيبي- ترشيح أفراد منهم للمشاركة معه في السلطة رفض الاشتراك إلا أن يكون الحكم إسلاميا 100%، ورشح لهم بعض الكفاءات من غير الإخوان (😎. وقد دعا الدكتور حسان حتحوت هذه الظاهرة “عبادة الصورة”. وهي في جوهرها عجز عن التوفيق بين دواعي الدعوة والخطاب ودواعي الفاعلية السياسية.
لقد شهد تاريخ الإخوان مدا وجزرا في التعامل مع هذه الثنائيات، ونجاحا وإخفاقا في ذلك، بحسب الفكر السائد، والقيادة المسيطرة، والظروف المحيطة.
من فكر الاكتساب إلى فكر المفاصلة
كان حسن البنا رجلا متفائلا مقداما بطبيعته، يؤمن بالاكتساب والاستيعاب. ولم ينظر إلى الأنظمة الحاكمة تلك النظرة التشاؤمية التي ظهرت لدى بعض أتباعه فيما بعد. بل كان يدرك أن لا مجال للفكر الإطلاقي في العمل السياسي، ولا وجود في السياسة لخير مطلق وشر مطلق، وإنما يتعين التفاعل مع الموجود ودفعه للأحسن. وقد بذل حسن البنا جهدا مضنيا للتأثير على الملك الشاب (فاروق) الذي وجده أفضل من سلفه، وحاول احتواءه. بل لم يستبعد البنا -في إحدى المقابلات- أن يعينه فاروق رئيسا للوزراء، ويتبنى برنامجه السياسي.
كما كان البنا حريصا على عدم المفاصلة مع القوى السياسية الأخرى، والتيارات الفكرية والإيديولوجية المخالفة، ومن هنا تأكيده المتكرر أن الفكرة الإسلامية ليست نقيضا للفكرة القومية أو الوطنية، وحرصه على مد جسور التفاهم والاتصال مع السلطة حتى في أوج الأزمة التي انتهت باغتياله.
وما يقال عن حسن البنا يمكن أن يقال عن الدكتور مصطفى السباعي مؤسس حركة الإخوان في سوريا، فقد برهن الرجل على حنكة ومرونة سياسية وفكرية، وإيجابية في التعامل مع السلطة، ومشاركة جدية في المسار السياسي.
لكن أجواء الاستقطاب الإيديولوجي والسياسي التي سادت في الستينات والسبعينات، جعلت الإخوان في أغلب الدول العربية يتجهون وجهة مغايرة لنهج حسن البنا في الاكتساب والاستيعاب، والتعاطي الإيجابي مع السلطة والمجتمع، ويميلون إلى فكر المفاصلة والمجانبة، والتمحور حول الذات، وسوء الظن بالدولة وبالمجتمع.
لقد أصيبت حركة الإخوان في هذه الحقبة بداء الفكر الإطلاقي الذي لا يولي اعتبارا للواقع العملي، بل ينشغل بالتغني بالمبادئ الجليلة، دون تفكير في المناهج العملية التي تخدم تلك المبادئ.
”
الفكر الإطلاقي الذي تجسد في كتب سيد قطب المتأخرة، هو فكر يريح الضمير لكنه لا يقود إلى العمل، إنه إدانة للواقع الظالم لكنه ليس سعيا لتغييره.
”
والفكر الإطلاقي الذي تجسد –أكثر ما تجسد- في كتب الشهيد سيد قطب المتأخرة، هو فكر يريح الضمير لكنه لا يقود إلى العمل، إنه إدانة للواقع الظالم لكنه ليس سعيا لتغييره. ولم تكن تلك طريقة حسن البنا، الذي كان رجلا عمليا، وكان يوصي أتباعه بذلك، وقد عبر عن ذلك بصيحاته المتكررة: “كونوا عمليين لا جدليين”(9).
وقد أورث الاتجاه العملي عند البنا تفاعلا مع جهد الحركة ورسالتها، وبناء سمعة سياسية لها في الدولة والمجتمع، بينما كان للفكر الإطلاقي لدى سيد قطب ثمرة مناقضة تماما. وهو أمر أدركه المستشار طارق البشري بعمق، ووصفه ببلاغة في قوله: “إن سيد قطب صاحب فكر يختلف كثيرا عن فكر حسن البنا رحمهما الله … فكر حسن البنا فكر انتشار وذيوع وارتباط بالناس بعامة، وهو فكر تجميع وتوثيق للعرى. وفكر سيد قطب فكر مجانبة ومفاصلة، وفكر امتناع عن الآخرين. فكر البنا يزرع أرضا، وينثر حبا، ويسقي شجرا، وينتشر مع الشمس والهواء. وفكر سيد قطب يحفر خندقا، ويبني قلاعا ممتنعة عالية الأسوار”(10).
إن حَمَلة الفكر الإطلاقي يغفلون في العادة عن قضية عملية مهمة، هي أن عدم شرعية أي نظام سياسي، لا تعني بالضرورة عدم شرعية أفعاله. فمسألة بناء السلطة تختلف عن مسألة أدائها، والتعاون مع سلطة غير شرعية فيما تقوم به من أعمال شرعية أمر سائغ. وتلك إشكالية عملية حسمها الفكر الإسلامي منذ حرب (صفين) منتصف القرن الأول الهجري، حينما وجد الناس أنفسهم مضطرين إلى التعايش مع الملك العضوض.
ولذلك فإن الشرع المبني على جلب المصالح ودفع المفاسد، والحياة المعاصرة المتشابكة الأوجه والمظاهر، والتحديات التي تواجهها الأمة من الخارج، والاختلالات العميقة التي تعاني منها. كلها أمور تفرض نوعا من الواقعية السياسية، التي تتعايش مع الظلم سعيا إلى تغييره، وتتغاضى عن بعض الشر تجنبا لما هو شر منه.
والذين يتبنون المواجهة الهوجاء مع الحكام ينسون أن إشعال الحرب أمر سهل، لكن كسبها ليس كذلك. وقد صور الشاعر اليمني عبد الله البردوني ذلك، وهو يتأمل مصائر بعض الحركات الثورية العربية، فقال:
والأُباة الذين بالأمس ثـاروا أيقظوا حولنا الذئاب ونامـوا
حين قلنا قاموا بثورة شعـب قعدوا قبل أن يُرَوْا كيف قاموا
ربما أحسنوا البدايات، لكـن هل يحسون كيف ساء الختام؟ (11)
كما أدرك ذلك الحكيم الأفريقي (نلسون مانديلا) فقال: “الثورة ليست مجرد الضغط على الزناد، ولكنها حركة تهدف إلى إقامة مجتمع العدل والإنصاف” (12).
مثالان مختلفان في العلاقة بالسلطة
نورد فيما يلي تجربتين مختلفتين في العلاقة بالسلطة لدى جماعتين مختلفتين من جماعات الإخوان، انطلقت إحداهما من فلسلفة حسن البنا الاكتسابية الاستيعابية، وتأثرت الأخرى بفكر المفاصلة والمجانبة لدى سيد قطب، وبظروف قهر ومحنة لا تنمي روح الاعتدال والواقعية.
أولا: عبد الناصر والإخوان في مصر
اعتاد الإخوان في مصر أن يكتبوا عن علاقتهم بعبد الناصر بعقلية “الجبرية الأموية” أو “الكربلائية الشيعية” وهما وجهان لتصور واحد، ينطلق بأن ما كان هو حدود الإمكان، وأن لا مجال للنقد والمراجعة. ولا مكان في هذه الكتابات لفكرة “الإمكان التاريخي”، ولا مجال فيها للتمييز بين الخطأ والخطيئة. فضاعت على الإخوان -في مصر أولا، ثم في كل أرجاء العالم- فرصة الاعتبار بالأخطاء التي قادت إلى أكبر محنة في التاريخ الإسلامي المعاصر.
وانشغل كتاب الإخوان بالحديث عن خطيئة عبد الناصر في اضطهاد الحركة، عن أخطاء التقدير السياسي والإستراتيجي التي ارتكبها قادة الحركة من غير وعي بها، ولا إدراك لما يترتب عليها، فساعدت على الدخول في الورطة، وفوتت على الحركة فرصا عظيمة للازدهار والتمكين.
لقد كانت فرص الإخوان المصريين في التفاهم مع سلطة “الضباط الأحرار” واحتوائها – أو تحييدها واجتناب شرها على الأقل – فرصا عظيمة. فالإخوان شركاء في الثورة يومذاك، ولهم وجود معتبر بين الضباط حينها، كما أن قادة الثورة المصرية ابتدؤوا حكمهم متحمسين للتفاهم مع (الإخوان) تقديرا لجهدهم في الثورة، وسعيا إلى احتواء قوتهم السياسية والعسكرية، وتوظيفها ضد ذيول السلطة الملكية.
كانت علاقة الإخوان بالثورة المصرية مثل علاقة الشيوعيين السودانيين بثورة النميري. هم شركاء في الثورة، وحلفاؤها الطبيعيون، مع التحفظ منهم والسعي إلى احتوائهم، ضمن التنافس الداخلي بين الأجنحة والرجال الأقوياء في التشكيلة القيادية الجديدة. والمؤسف أن الإخوان في مصر ارتكبوا نفس الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية التي ارتكبها الشيوعيون السودانيون بقيادة عبد الخالق محجوب. فقد اشترط عبد الخالق محجوب على النميري “اشتراكية كاملة” للمشاركة معه في السلطة، واشترط الهضيبي على عبد الناصر “أن يكون الحكم إسلاميا 100%”، وكأن الحكم الإسلامي مجرد قرار فوقي تتخذه سلطة تائبة، وليس مسارا متدرجا وطريقا طويلا يقطعه رجال يحملون مبادئ الإسلام بصبر وإيجابية وتفاعل مع الواقع المنحرف.
لقد سقط الإخوان آنذاك ضحايا فكر إطلاقي لا يعترف بالتدرج أو الحلول الوسط، وخلطٍِ بين الأهداف المرحلية والمستقبلية، ونقصٍ في إدراك الواقع السياسي بكل تفصيلاته وملابساته:
فوقفوا إلى جانب محمد نجيب ضد عبد الناصر، دون إدراك لميزان القوة داخل القيادة العسكرية المصرية، فكان رهانهم خاسرا.
وعارضوا اتفاقية “الجلاء” مشاكسة لعبد الناصر، مما منحه ذريعة لاتهامهم بالعمالة للاستعمار وقمعهم بقسوة.
ورفضوا الاشتراك في السلطة، رغم أنه كان كفيلا بترسيخ وجودهم وقوتهم السياسية، وأهم من ذلك أنه سيحميهم من بطش ثورة فتية مضطربة.
تلكم بعض أخطاء التقدير والمزالق السياسية التي وقعت فيها قيادة الإخوان في علاقاتها بالثورة الناصرية، والحديث عنها أكثر فائدة وأكبر ثمرة للإخوان من الحديث عن طغيان عبد الناصر واستبداده، إذا كانوا يرغبون في اكتساب الخبرة واستخلاص العبرة للمستقبل.
ثانيا: النميري والإخوان في السودان
ربما كانت تجربة الإخوان المسلمين في السودان أثرى التجارب الإسلامية في التعامل مع السلطة، فقد اعتمد الإخوان السودانيون منهجا إيجابيا في العلاقة بالسلطة، اختلفت صور التعبير عنه من المواجهة الشعبية إلى التحالف الوثيق، ومن الغزو الخارجي إلى الاختراق الداخلي، ومن منابر البرلمانات والجامعات إلى ثكنات الجيش والأمن. وفي كل هذه الأحوال ظل منهج الحركة مطبوعا بالجرأة والواقعية والمرونة. لكن تحالف حركة الإخوان في السودان مع النميري يمثل ظاهرة خاصة في حجمها ومداها وأثرها على تطور الحركة اللاحق. ولذلك نخصها بالحديث هنا.
وصل النميري إلى السلطة عام 1969وكان –أول عهده– مفتونا بالتجربة الناصرية بمصر، ميالا إلى الفكر اليساري، فسمى مجلسه العسكري باسم “الضباط الأحرار”، وأسس “اتحادا اشتراكيا سودانيا” يطمح إلى احتواء القوى السياسية الأخرى، على طريقة “الاتحاد الاشتراكي العربي” الذي أسسه عبد الناصر، وأصدر كتابا باسم “الميثاق الوطني” على شاكلة كتاب “فلسفة الثورة” لعبد الناصر.
وكان النميري أول رئيس سوداني فتح الباب أمام المستشارين السوفيات (13) “وبلغ ذلك (التوجه اليساري) قمته في احتفال البلاد بالعيد المئوي لميلاد لينين، في أبريل 1970” (14). وأهم من ذلك من الناحية السياسية أن النميري لم يكن أول عهده يخفي عداءه للإسلاميين السودانيين. فلا غرابة أن اصطدمت حركة الإخوان المسلمين في السودان بنظام النميري من أول يوم.
لكن النميري لم يكن يساريا عقائديا، بقدر ما كان رجلا قُلَّبا، يدور مع التوجهات السياسية في القاهرة حيثما دارت. فانتقل من اشتراكية عبد الناصر إلى رأسمالية السادات، ومن التحالف مع السوفيات –على طريقة عبد الناصر- إلى التحالف مع الأميركيين على طريقة السادات. ومن استئصال الإسلاميين بالتعاون مع الشيوعيين كما فعل عبد الناصر، إلى التفاهم مع الإسلاميين لاستئصال الشيوعيين كما فعل السادات. ومن إعلان الحرب على إسرائيل -عبر لاءات الخرطوم الشهيرة- أيام عبد الناصر، إلى التواطؤ معها في تهجير “الفلاشا” تجاوبا مع “كامب ديفد” السادات.
”
وجد الإخوان السودانيون –بعد ثمانية أعوام من الصراع الدموي– فرصة للتقارب مع النميري، بعد خلافه مع حلفائه اليساريين، ومحاولتهم الانقلاب عليه بقيادة الرائد هاشم العطا فقرروا المصالحة معه وتجاوُز الماضي المرير في العلاقة به
”
ومع ذلك وجد الإخوان السودانيون –بعد ثمانية أعوام من الصراع الدموي– فرصة للتقارب مع النميري، بعد خلافه مع حلفائه اليساريين، ومحاولتهم الانقلاب عليه بقيادة الرائد هاشم العطا يوم 19/7/1971 فقرروا المصالحة معه وتجاوُز الماضي المرير في العلاقة به. فأنتج ذلك ثمانية أعوام من التحالف الصعب، لكنه المثمر سياسيا بالنسبة للإخوان في السودان.
وقد نجحت حركة الإخوان في السودان في جني ثمرة ذلك التحالف على جبهات عدة، منها: النمو والامتداد السريع في قاعدتها، واكتساب خبرة ومراس سياسي وإداري، وبناء قاعدة مالية قوية، واختراق الجيش والأمن.
وحينما آذى النميري حلفاءه من الإخوان بالحرب، وزج بهم في السجون يوم 10 مارس 1985 كانت الحركة قد قطفت ثمار المصالحة كاملة غير منقوصة، ورسخت قدمها في الدولة والمجتمع بشكل لا يمكن اجتثاثه. فلم تكن تلك الاعتقالات نهاية الحركة –كما أراد النميري– بل كانت نهاية النميري نفسه، الذي لم تتجاوز فترة حكمه بعدها شهرا واحدا.
ثغرة في الطريق المسدود
لقد رأينا كيف ساد الفكر الإطلاقي وسوء الظن بالسلطة والمجتمع تفكير الإخوان في الستينيات والسبيعنيات –مع استثناء الحالة السودانية- لكن الثمانينات شهدت تطورا جديدا في تفكير الإخوان المسلمين تجاه التعامل مع الأنظمة الحاكمة، وفي تفكير الأنظمة في تعاملها مع الإخوان. فقد كانت موجات الاضطهاد في السجون المصرية، ثم القمع الساحق على أيدي القوات السورية دروسا مريرة للإخوان، أدركوا من خلالها أن الدولة المعاصرة بشموليتها وقسوتها، لا يمكن تغييرها من خارجها أو تحديها بالقوة.
كما أدرك الحكام أن الإخوان -بثباتهم ومصابرتهم على الاضطهاد- لا يضرهم القمع ولا يستأصلهم، بل يزيد أنصارهم وأتباعهم كل يوم، ويرسخ وجودهم في المجتمع، شأن جميع حركات التغيير ذات الجذور الضاربة في ثقافة الشعب وتاريخه.
وهكذا توصل الطرفان –وإن بطرق مختلفة– إلى نفس النتيجة، وهي فشل سبيل المواجهة، فانفتحت بذلك ثغرة في الطريق المسدود.
ومنذ ذلك التاريخ يحاول الإخوان إيجاد موطئ قدم لهم في المعترك السياسي، متجاوزين كل تراث التحفظ الماضي، ومادين أيديهم للتفاهم مع القوى الوطنية الأخرى، ومع الأنظمة الحاكمة، ومستعدين لدفع الثمن السياسي الذي تقتضيه سياسة التعايش. وقد تجلت هذه الظاهرة في نموذج سياسي وفكري جديد، عماده الإيجابية والتفاعل مع السلطة، بدلا من القنوط منها واعتزالها. فخاضت حركة الإخوان في مصر انتخابات مجلس الشعب في الثمانينات تحت مظلة “حزب الوفد الجديد”، ثم تحت راية “حزب العمل الاشتراكي” فيما بعد. ثم جاءت الأعوام التالية بمزيد من الإيجابية والمشاركة في مصر وفي دول أخرى عدة، لتؤكد أصالة هذا التطور وعمقه في تفكير الإخوان وسلوكهم السياسي.
ففي اليمن دخل الإخوان تحالفا إستراتيجيا مع الرئيس علي عبد صالح بدأ في “المؤتمر الشعبي العام” لما كان حزبا وحيدا، واستمر في عهد التعددية. ويقود الإخوان في اليمن الآن حزب “التجمع اليمني للإصلاح”.
وتتأسس إستراتيجية الإخوان في اليمن على معادلة دقيقة، تتمثل في دعم شخص الرئيس علي عبد الله صالح بقوة، ومعارضة حزبه باستماتة. ومن طرائف هذه المعادلة ما شهدتُه بنفسي في صنعاء عام 1998، حينما أعلن “التجمع اليمني للإصلاح” –وهو حزب المعارضة الرئيسي- ترشيحه الرئيس علي عبد الله لفترة رئاسية جديدة، قبل أن يعلن حزب الرئيس نفسه إعادة ترشيحه. وقد أفادت هذه العلاقة الطرفين. فقد ضمنت للرئيس صالح موقع “الملك”، وضمنت للإخوان موقعا سياسيا متميزا. كما أفادت الدولة اليمينة ذاتها، فقد استطاع الطرفان أن يقفا في وجه الانفصال عام 1993 بفضل هذا التحالف.
وفي الأردن سار الإخوان على نفس النهج مع الملك حسين طيلة فترة التسعينات، لكن علاقتهم مع وريثه الملك عبد الله اتسمت بالفتور في الغالب، والصدام أحيانا، إذ لم يظهر الملك الجديد من سعة النفس والدهاء والقدرة على الاحتواء ما كان أبوه يتسم به.
لقد قبل الإخوان منذ الثمانينات بالأنظمة القائمة واقعا سياسيا، وبدأت بعض الأنظمة تقبل بوجود الإخوان منافسا شرعيا، ويبقى طرف ثالث لا يقل أهمية وأثرا، وهو القوى الدولية ذات النفوذ على قادة الدول العربية والإسلامية. وربما تكون أحداث 11 سبتمبر، ومخاطر تحول الظاهرة الإسلامية إلى قوة عسكرية، تؤمن بالقتال سبيلا للمنازلة السياسية، دافعا للقوى الدولية لإعادة النظر في موقفها العدائي من حركة الإخوان المسلمين، ومن على شاكلتها من القوى الإسلامية المؤمنة بالتدافع السلمي. ولعل في تقدم الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة في المغرب والبحرين وباكستان وتركيا ما يزكي هذا الاستنتاج.
ومهما يكن من أمر، فإن موضوع علاقة الإخوان المسلمين بالسلطة سيكتسب أهمية أكبر في المستقبل، فقد اقتنع الحكام وظهيرهم الدولي بأن القمع المباشر لا يفيد، وأن التضييق الكامل قد يولد انفجارات غير محسوبة، وبدأت إستراتيجية الاحتواء والترويض تظهر في كل مكان. وستتوقف طبيعة الثمرات على مستوى إدراك الإخوان المسلمين لأبعاد اللعبة، واستيعاب مقتضياتها، والتعامل