هل كان عبد الرحمن ابن خلدون يحدث عن موريتانيا في عصر ازدهار الخطاب الشرائحي وانهيار مشروع الدولة الوطنية ؟/ ديدي ولد السالك
” عندما تنهار الدول يكثر فيها المنجمون، والمتسولون، والمنافقون، والمدّعون، والكتبة والقوّالون، والمغنون النشاز، والشعراء النظّامون، والمتصعلكون، وضاربو المندل وقارعو الطبول، والمتفيهقون، وقارئو الكفّ بالطالع والنازل، والمتسيّسون، والمدّاحون والهجّاؤون، وعابرو السبيل والانتهازيون، فتتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط، يضيع التقدير ويسوء التدبير، وتختلط المعاني والكلام، ويختلط الصدق بالكذب، والجهاد بالقتل.عندما تنهار الدول، يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف، وتظهر العجائب وتعم الإشاعة، ويتحول الصديق الى عدو والعدو الى صديق، ويعلو صوت الباطل ويخفت صوت الحق، وتظهر على السطح وجوه مريبة وتختفي وجوه مؤنسة، وتشح الأحلام ويموت الأمل، وتزداد غربة العاقل، وتضيع ملامح الوجوه، ويصبح الانتماء الى القبيلة أشد التصاقا، والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان.يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء، والمزايدات على الانتماء، ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين، ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة، وتسري الاشاعات عن هروب كبير، وتحاك الدسائس والمؤامرات، وتكثر النصائح من القاصي والداني وتطرح المبادرات من القريب والبعيد، ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته، ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار، ويتحول الوضع الى مشروعات مهاجرين، ويتحول الوطن الى محطة سفر، والمراتع التي نعيش فيها الى حقائب، والبيوت الى ذكريات، والذكريات الى حكايات”.