وما صاحبكم بمجنون / محمد عبد الرحمن ولد عبدي
لبسم الله الرحمن الرحيم
رمتني بدائها وانسلت، في الحكايات الشعبية أن حيا من الأعراب جن أهله عن بكرة أبيهم، إلا رجل فيهم، فعمدوا إليه وكبلوه وقيدوه وقالوا أنت المجنون . كذلك التصوف المفترى عليه أيها الإخوان، لقد لعبت الأهواء والنحل والملل بأمة الإسلام، بعد أن تفنن أعداؤه في صناعة مذاهب مفتراة فأغرقوا ساحته بالمتناقضات بالحركات والنعرات والدعايات والنحل والإرهاب، صناعة صدروها إلى بلاد المسلمين تكفر المسلمين تقتلهم دون غيرهم، تمزيقا لوحدته وتحويل وجهة الجهاد إلى دار الإسلام بدل دار الحرب كما صنع الخوارج في تاريخ الإسلام. “يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ” كما في الحديث المتفق عليه ( البخاري4/137/رقم الحديث3344/ط1، صحيح مسلم2/741/رقم الحديث1064 ورواه أبو داود والنسائي في سننهما وعيرهم من متون الحديث). لمحوه في استراتيجيات وضعوها قبل مائات السنين، من سقوط الأندلس إلى يوم الناس هذا.
قامت هذه النابتة بدعايات هائلة تشكك بل تكفر المسلمين في مذاهبهم العتيدة؛ المذاهب التي أجمعت عليها الأمة في الفقه والعقائد والسلوك (التصوف)، كالمذاهب الفقهية الأربعة والعقائد الأشعرية والماتريدية وفي التصوف الجنيدي ليترك لهؤلاء الحبل على الغارب جهلة متنطعين عابثين يقولون في هذا الدين بأهوائهم ليست معهم أثارة من علم، يتقولون عليه تمهيدا للفوضى الخلاقة فيه حيث لا مرجعية ولا مقلد.
فلا احترام اليوم عند الطوائف المصنعة لأهل الاختصاص، لا رجوع إلى العلماء الأعلام، المتضلعين من دراية الأحكام، المقيمين لقسطاسها، ومن لديهم محك عسجدها ونحاسها. لا تفتأ ترى من انخرط في سلكهم قد انبرى وتجرأ وتطاول على أهل الدين وعباد الله الصالحين، يسبهم يتهمهم بالابتداع في الدين وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تقوم الساعة حتى يسب آخر الأمة أولها”. بدأ بالتصوف وهو في طريقه آت إلى المذاهب الفقهية، سيقول إن تقليدهم لمذهب مالك ضلال وإضلال، وأن الأشاعرة كفار جهمية معطلة كما تقول الوهابية وتطفح به كتبها.
أنا هنا لا أدعي العصمة للمتصوفة حاشى لله تعالى، فما سلمت قاعدة من شذوذ.
لا تستغرب إذن على من جرفه سيلهم نفي سند متصوفة بلادنا من الكتاب والسنة، وليس التصوف خاصا بنا. بل إن نسبة المتصوفة في بلاد المسلمين تفوق التسعين في المائة، إن من الخطأ بمكان تبديع الأمة وتضليلها لأنها لا نزال وستبقى بخير ما بقي الزمان بشهادته صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في صحيحه (صحيح البخاري9/101/ط1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله”. لقد أقر قانون التمييز والكراهية، القانون:23/2018 بتاريخ:21/6/2018 المذهب الرسمي للدولة وأنه المذهب المالكي الفقهي، والعقدي الأشعري، والطرقي التصوفي الجنيدي، عاقب في مادته العاشرة التطاول عليه والقدح فيه .إنه لا شائبة في تصوف أهل هذه البلاد ، فهم موالك، يقلدون مالك، ومالك رحمه الله تعالى يقول: “إن من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق”، كما نقل عنه الإمام زروق والتتائي وغيرهما ( حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإمام الزرقاني في الفقه المالكي ج3. ص195ا ) . فقد اعتبر مالك رحمه الله تعالى التصوف والفقه متلازمين لا غنى لأحدهما عن الآخر، فكان مشائخنا لا يبذلون التصوف ولا يلقنون الأوراد إلا لمن تفقه، ولا يجيزون أخذ التصوف إلا لعلماء الشريعة الجهابذة المتبحرين، أفترى الشيخ سيدي المختار الكنتي مبتدعا أو مريده الشيخ القاضي، وطائفتهما أو شيخنا الشيخ محمد فاضل بن مامين وطائفته أو محمذن بن متالي ومريديه أو العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم وتلامذته، والشيخ التجاني وأصحابه؟، أليس كل هؤلاء علماء قبل تصوفهم، لذلك قل في هذه البلاد النكير على المتصوفة قبل أدعياء السلفية المحدثة التي تنبذ التصوف من أصله وتناصبه العداء بل تكفر أهله وتستبيح دماءهم وأعراضهم وحتى موتاهم في برازخهم تنبش قبورهم وتدنسها وتحرقها. ولمن أن أرد أن يسلك طريقهم ويدندن دندنتهم، فلا يستح ويتجرأ، ولا يستثن، فهم لا يستثنونون.
فهاكم ما تقوله النابتة عن التصوف عن عموم المتصوفة، يقولون عنه ما قال مالك عن الخمر، لم تكن أقاويل ابن تيمية نفسه وطعونه في المتصوفة شيئا بالنسبة لما تقوله وذهب إليه الوهابية مقلدوه المعاصرون من بعده في حق عامة الصوفية، لن تكون إلا واحدا منهم سقوك بكأسهم، سنرى بحول الله تعالى في هذه العجالة في حلقات نقض عرى بناء مذهبهم في تكفير المتصوفة عروة عروة، ومادة مادة، وسيتبين الباحث عن الحق براءة مذهب التصوف من كل ما شانوه به وبعلم من هو على الحق ومن المبتدع المحدث في دين الله ما ليس منه.
لقد حاولت الوهابية أدعياء السلفية نسف أصول مذهب المتصوفة من أصله، أنكروا بيعتهم وأسانيدهم وزهدهم وتهذيب ومجاهدة وتزكية أنفسهم ومداومة أذكارهم، وأحزابهم وفكرهم وذكرهم ولهجهم به وبأسماء الله الحسنى بالإفراد ومداومة الأوراد عموما، وأصولهم ووصولهم ومقاماتهم وتحققهم، أنكروا عليهم مصطلحاتهم وغيبتهم عن شهودهم وحضورهم وسكونهم وتحليتهم وتخليتهم وصحوهم ومحوهم وشطحهم وبسطهم وقبضهم وشوقهم وعشقهم وذوقهم وخلواتهم وجلواتهم وسياحتهم وافرادهم وعزلتهم وانقطاعهم، ورياضتهم وفناءهم وتفرقهم واجتماعهم ، وورودهم وتصدرهم ونظرهم إلى البواطن قبل الظواهر ومحبة ربهم ونبيهم. ناهيك عن تعلقهم بمشائخهم والتسليم لهم، وخدمتهم والسلوك وتهذيب الأنفس على أيديهم، وطريقتهم، واعتبروا كل ذلك من قبيل الترهات والأكاذيب والدجل لا غير. أنكروا كراماتهم واعتبروها من ألاعيب الشياطين بهم. ونفوا التبرك والتوسل خرقا للإجماع، اعتبروه شركا أكبر وضلالا أعظم. ورأوا أن التصوف بأسره سواء في ذلك المحاسبي والجنيد والجيلي رحمهم الله تعالى وغيرهم، قديمه ومتأخره مستورد من البوذية والفارسية والمسيحية لا أصل له في الإسلام، وقد زعم الألباني ضلال المتصوفة وكفر غالبيتهم. وانظروا كتاب فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها لواحد من علماء هذا المذهب وهو أستاذ مدرس في جامعاتهم غالب بن علي عواجي ( فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها: د.غالب بن علي عواجي3/885-913-1008، 1035-1036/ط4) وكتابه هذا من معتمداتهم ومراجعهم. يقول صاحب هذا الكتاب كما يقول القادح في تصوف أهل موريتانيا يقول:”لقد مضي زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يعرف عنهم أي سلوك يتميزون به غير اتباع الكتاب والسنة والتشرف بنسبتهم إلي ذلك، غير ملتفتين إلي التنطع في سلوكهم أو مخترعين طرائق ورهبانية مبتدعة إلي أن أحدث أناس في الدين بدعة التصوف منحرفين عن المنهج السليم، وراحوا يتخبطون في دوائر وهمية وفرق عديدة. وقد أخذ كل فريق من هؤلاء يعبر عن التصوف حسب ما يراه، ويطول سرد تلك المفاهيم والتعبيرات والأقوال التي صدرت عن أقطاب هؤلاء؛ كالجريري، والجنيد، وعمرو بن عثمان المكي، ومحمد بن علي القصاب، ومعروف الكرخي والسهروردي والشبلي والشاذلي والتجاني والبسطامي وابن عربي وابن الفارض وغيرهم”. وبعد أن يطيل في تضليل هؤلاء يقول في التجانية مثلا:”وأوضح ما يميز الانحراف في كتب التجانية، هو الغلو الفاحش في أئمة الصوفية والتجاني وغيره، ومدحهم بما لا يليق إلا بالله العظيم، من علمهم المغيبات وأنواع العلوم والمعارف التي لا يدركها إلا الله عز وجل، وبالتالي ذكر مدائح لهم، وهي في الحقيقة ذم ما بعده ذم، تدل دلالة صريحة على بعد أولئك ومجونهم واستهتارهم بعقول الناس”. ثم يقول: “وإلى جانب الطريقة التجانية طرق كثيرة – كما ذكرنا من قبل – يحتاج بيانها إلى عدة صفحات، وهى في جملتها لا تخرج عن هوس وتخبطات التجانية”. ويقول:”وتتضح صورة القول بوحدة الوجود عند التجانية، فالتوحيد عند التجانية يقتضي شعور الشخص أنه هو الله لا فارق بين ذاته وذات المولى عز وجل، وأن ينسى جسمية نفسه تماما”: قال حرازم: “سألت سيدنا رضي الله عنه عن هذا التوحيد، فأجاب رضي الله عنه عن التوحيد: هو توحيده لنفسه بنفسه عن نفسه، وهذا التوحيد لا سبيل إليه إلا بالفناء. ويقول مؤلف آخر من التكفيريين هؤلاء وهو عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف في كتابه الفكر (الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة: عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف: مكتبة ابن تيمية، الكويت الطبعة: الثالثة، 1406 هـ – 1986 الصوفي في ضوء الكتاب والسنة عن الطريقة التجانية بل كل الطرق الصوفية: “والطريقة التجانية كغيرها من الطرق رأس مالها وقطب رحاها في الدين أن تدعو الناس إلى الشرك بالله.
وعجبت لجراءة السيد قطب رحمه الله تعالى الزعيم الروحي والمرجع الكبير للإخوان المسلمين على المتصوفة بقوله مثلا في ظلال القرآن ( في ظلال القرآن2/1072/ط17):”وليس ما وقع من هذا الإهمال والسلبية والانعزال وبخاصة في بعض حركات التصوف والزهد بنابع من التصور الإسلامي أصلا. إنما هو عدوى من التصورات الكنسية الرهبانية ومن التصورات الفارسية، ومن بعض التصورات الإشراقية الإغريقية المعروفة بعد انتقالها للمجتمع الإسلامي”!!!. هكذا لقحته الوهابية بمذهبها، وانظر تطابق هذا الكلام مع ما يقوله المستعمرون الغربيون. يقول كبولاني النصراني الفرنسي رائد عملية استعمار موريتانيا في كتابه عن الطرق الصوفية كما عزا له لأرنست بسكاري في كتابه “رحلة قائد المائة، الأصوات التي تتضرع في البيداء، يقول عن التصوف نقلا من كتاب كبلاني هذا(كبولاني:”الطرق الصوفية” كما يعزوا له لأرنست بسكاري في كتابه “رحلة قائد المائة، الأصوات التي تتضرع في البيداء”ترجمة محمد فاضل ولد الجيه ص14 )
” ونعتقد أننا نتحقق هنا من مختلف مراحل التجلي (الجذب) عند الافلوطينية الجديدة، كما تصفها لنا “التاسوعات”. وهنا يكشف لنا كبولاني، آفاق مذهلة. فيظهر لنا التأثير العميق للاسكندرانية L’alexandrinismeوتأثيربورفيريوس Porphyre وجامبليك Jamblique وفلوطينPlotin على الفكر الإسلامي”. وحتى آبه بن أخطور رحمه الله تعالى في تفسيره أضواء البيان بعد أن استثنى أوائل المتصوفة على طريقة ابن تيمية من القول ببطلان عموم مذهب المتصوفة ( أضواء البيان4/88- 89/ط دار الفكر للطباعة والنشر )عند قوله تعالى: (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري) طه90) أطلق حكمه على عموم متصوفة الآونة الأخيرة وأزمنة كثيرة قبلها بالدجل والتضليل مستثنيا مشيئة الله بقوله:”نعم، صار المعروف في الآونة الأخيرة، وأزمنة كثيرة قبلها بالاستقراء، أن عامة الذين يدعون التصوف في أقطار الدنيا إلا من شاء الله منهم دجاجلة يتظاهرون بالدين ليضلوا العوام الجهلة وضعاف العقول من طلبة العلم، ليتخذوا بذلك أتباعا وخدما، وأموالا وجاها، وهم بمعزل عن مذهب الصوفية الحق، لا يعملون بكتاب الله، ولا بسنة نبيه، واستعمارهم لأفكار ضعاف العقول أشد من استعمار كل طوائف المستعمرين. فيجب التباعد عنهم، والاعتصام من ضلالتهم بكتاب الله وسنة نبيه، ولو ظهر على أيديهم بعض الخوارق”. هذا هو حكم الوهابية على هؤلاء المتصوفة إذن. ولم تكن القادرية كبقية الطرق الصوفية أحسن حظا من التجانية عند التكفيرية ففي فتاوى ابن باز لما سئل عن حال الطريقة القادرية والنقشبندية. س: بعض الناس عندنا يدعون الشيخية الطرقية كطريقة النقشبندية والقادرية وغيرها، يجتمعون بالناس في المساجد ويدعونهم إلى التوبة والتوجد، ويقول أحدهم: أنا مأذون لذلك فيوهمون بعضا منهم ويتكلمون بألفاظ مهملة، مثل ها هو، ويتكلمون بالغيب، فهل لهذا حقيقة وكرامة، أم أن هذه من باب البدع والضلالة، نرجو التوجيه في الإجابة وفقكم الله. فأجاب:”هذه الطرق وأشباهها كلها من الطرق البدعية، ولا يجوز الموافقة عليها، ولا المشاركة فيها؛ لأنها بدع. ( فتاوى بن باز نور على الدرب3/234/ط1))”، ويقول محمود شكري الألوسي في رده على مجدد الدين يوسف النبهاني في كتابه غاية الأماني. هذه الحلقة الأولى ويتواصل بإذن الله تعالى