من أصول المتصوفة وأورادهم الحسبلة:
قال المجدد الشيخ سيدي المختار في الكوكب الوقاد في ذكر فضائل المشائخ وأصول الأوراد من قواعد الورد المبارك الحسبلة قال ابن الخطيب اشتملت على الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ولا يداوم عليها إلا موفق للفوائد الجليلة التي لا يقدر قدرها إلا الله تعالى اتخذها الجيلي رضي الله عنه لغزارة علمه ومكاشفة بلوغه في أسرار الحقائق كل مبلغ متنا لأوراده وأساسا لتوجهاته حتى قيل إنه بها قد بلغ كل مبلغ، وسر كونها مائتين ليجتمع في كل يوم للعامل بها ألف حسبلة لأنها مشتملة على ثلاثة أسماء عظام من أسماء الله تعالى الحسيب والله والوكيل فهذه الأسماء لو أنها وقعت على جبل لخشع ولتصدع قال الله تعالى:(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله) وما ذاك إلا لما اشتمل عليه من أسماء الله تعالى الحسنى المشتملة على عظمته وكبريائه وتجليات قهره وغلبته، وقد اتفق السلف على أن لفظ الجلالة هو الاسم الأعظم لأنه ترجمان الأسماء وجامعها، ولما اكتفى رسول الله وأصحابه بالله ناصرا ومؤيدا أمدهم سبحانه وأكرمهم بقوله(يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يا يها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) وقال تعالى عنهم: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) فدوخ الله تعالى لهم الأمم الكافرة وأذل بأيديهم الملوك والجبابرة في أقل مدة وأقرب زمان، وزويت له الأرض عليه الصلاة والسلام حتى نظر إلى منتهى الخف والحافر من مشارق الأرض ومغاربها وبشر أن ملك أمته سيبلغ ما زوي له منها فكان الأمر والحمد لله كما قال. والحسبلة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال:حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة المؤمنين(الطبراني في معجمه الكبير ج24/ص44 ح122/ط3)، وعزا أي الشيخ سيدي المختار للطبراني في معجمه الكبير: أن إبراهيم لما ألقي في النار عريانا مكتوفا قالها فصارت النار بردا وسلاما ولم تعد عليه وكساه الله تعالى ثوبا من الجنة وصاحبه فيها جبريل فاتخذها إبراهيم خلوة، وقالها موسى عليه السلام لما تراء الجمعان والبحر أمامهم وفرعون من خلفهم لما قال له أصحابه إنا لمدركون فقال حسبنا الله ونعم الوكيل ففلق الله البحر، وقالها داوود لما قصده طالوت ليقتله فأنجاه الله منه وسلب ملكه وجعله لداوود عليه السلام، وجمع له بين الملك والنبوة، وقالها سليمان لما سلب ملكه فرده الله عليه أحسن ما كان،
وقالها عيسى حين قصد بنوا إسرائيل صلبه فأنجاه الله منهم ورفعه إليه وألقى شبهه على صاحبهم فقتلوه.ويشهد لذلك الحديث الآخر الذي أخرج البخاري عن ابن عباس موقوفاً(صحيح البخاري 4/1662/رقم4287 ) عن:”حسبنا الله ونعم الوكيل أنها قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، وما أخرجه النسائي(السنن الكبرى للنسائي4/154) كذلك موقوفا على ابن عباس بلفظ:”كان آخر كلام إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقى في النار حسبي الله ونعم الوكيل، قال وقال نبيكم صلى الله عليه وسلم مثلها: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، وما أخرج أيضا أبو نعيم في الحلية وأبو بكر الإسماعيلي في شيوخه عنه صلى الله عليه وسلم:” أتى بإبراهيم يوم النار إلى النار فلما أبصرها قال حسبنا الله ونعم الوكيل” .
وللحديث أطراف أخرى منها : “حسبنا الله ونعم الوكيل”، “كان آخر كلامه”. ومن غريب الحديث : “يوم النار”: المراد يوم أوقدوا له النار، ولما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة إذا وقعتم في الأمر العظيم “فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل” وقال أيوب زيد بن أرقم كما في الضياء عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم: “كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحني الجبهة وأصغى السمع ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ”. قالوا يا رسول الله كيف نصنع قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا”. وأخرج ابن السني وابن عساكر عن أبي الدرداء:”من قال كل يوم حين يصبح وحين يمسى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما همه من أمر الدنيا وأمر الآخرة صادقًا كان بها أو كاذبا، وأضاف في الكوكب الوقاد يروى أن المداوم عليها يبلغه الله تعالى أعلى مقامات الصالحين كان ذلك بنية أو بغير نية، فاشدد يدك بهذه الخاصية التي لا توجد لغيرها من أنواع الأذكار والأدعية والتوجهات فإنها لا تفيد إلا بنية وحضور القلب بالكليلة، وأن المواظب عليها كل يوم مائة أو مائتين لا تصبه فتنة ولا عظيم بلاء، ولو أن البلايا نزلت من السماء فعمت جميع الأرض لم يصبه منها شيء وكانت نجاة له ودافعة عنه شرور الدنيا والآخرة وبرزخا ومعادا لأنها جامعة شاملة لجميع معاني التعظيم والإجلال، فإذا قلت حسبي الله ونعم الوكيل فكأنك قد قلت قد اكتفيت بالله معبودا ومشهودا وناصرا ومانعا ونافعا وخالقا ورازقا واستغنيت به عن جميع الأرباب والأسباب واتخذته وكيلا ألجأ إليه في جميع الشدائد والآلام والأوصاب لأنه خير وكيل وأقدر كفيل. وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة:”من قال عشر كلمات عند دبر كل صلاة غداة وجد الله عندهن مكفيًا مجزيًا خمس للدنيا وخمس للآخرة حسبي الله لديني حسبي الله لما أهمني حسبي الله لمن بغى على حسبي الله لمن حسدني حسبي الله لمن كادني بسوء حسبي الله عند الموت حسبي الله عند المساءلة في القبر حسبي الله عند الميزان حسبي الله عند الصراط حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب”.والحسبلة تلاوة وذكر أيضا لأنها من القرآن من كلام الله تعالى المعجز المتعبد به فلذلك أجرها وثوابها لا يحصيه ولا يعلمه إلا الله تعالى. لذلك لهج بها أئمة المتصوفة وجعلوها أصلا من أصول أورادهم التي عليها يعتمدون.