الحلقة:17 تعدد مشائخ التصوف وموقف علماء الشريعة منهم/ محمد عبد الرحمن عبدي
… وتعدد مشائخهم ومشاربهم ومسالكهم لا ضير فيه بل من كثرة طرق الخير الدالة على الله تعالى توسعة على الأمة كتعدد المذاهب والاجتهادت الفقهية، فالمتصوفة من كل المذاهب السنية فالجنيد على مذهب الليث بن سعد في الفقه، والشبلي على مذهب الإمام مالك بن أنس، والجيلي رحمه الله تعالى كان يفتي وفق مذهبي الليث وأحمد، والرفاعي رحمه الله تعالى كان شافعيا، وابن مشيش وابن عربي وأبو مدين والشاذلي والمرسي وابن عطاء الله موالك، وعلى المذهب الحنبلي كثير. ولا عجب أن يكون موقف علماء المسلمين من الصوفية التأييد والتزكية والشهادة لهم أنهم أهل الحق العارفون بربهم. قال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى: كل الأئمة أهل الفقه والكلام وأكابر أعلام الإسلام يصحبون أهل الطريق ويحضرون مجالسهم ووعظهم ويبالغون في الثناء عليهم، وينقلون عباراتهم وإشاراتهم في دروسهم وتصانيفهم من ذلك ما نقله الإمام زروق والتتائي عن الإمام مالك أنه قال من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق(حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإمام الزرقاني في الفقه المالكي ج3. ص195ا ) . فقد اعتبر مالك رحمه الله تعالى التصوف والفقه متلازمين لا غنى لأحدهما عن الآخر، ومالك، قال: الهروي في كتابه الإشارات إلى معرفة الزيارات إنه من الأبدال.
قال الشافعي رحمه الله تعالى صحبت الصوفية فلم أستفد منهم إلا حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات، قولهم الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وقولهم العدم عصمة، نقله الحافظ السيوطي(الإعلام مرجع سابق34) وغيره،والشافعي يعدونه من الأبدال كما لدى الهروي في كتابه المتقدم. ومثله عن الحاكم والخطيب البغدادي(تاريخ بغداد للخطيب البغدادي(8/ 214) : عن إسماعيل بن إسحاق السراج يقول: قال لي أحمد بن حنبل يبلغني أن الحارث هذا يكثر الكون عندك فلو أحضرته منزلك وأجلستني في مكان أسمع كلامه ففعلت وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا وصلوا العتمة ثم قعدوا بين يدي الحارث وهم سكوت إلى قريب نصف الليل ثم ابتدأ رجل منهم وسأل الحارث فأخذ في الكلام وكأن على رؤوسهم الطير فمنهم من يبكي ومنهم من يخن ومنهم من يزعق وهو في كلامه فصعدت الغرفة فوجدت أحمد قد بكى حتى غشى عليه إلى أن قال فلما تفرقوا قال أحمد ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا وعلى هذا فلا أرى لك صحبتهم. قال الذهبي عقب ذكره لهذه الرواية في “الميزان”: “قلت: إسماعيل وثقه الدارقطني، وهذه حكاية صحيحة السند أخرجها الحاكم ـ وإن أنكرها عقله- كما في ميزان الاعتدال(ميزان الاعتدال” (1/ 430)) ، وذكرها في”طبقات الشافعية” تاج الدين السبكي(طبقات الشافعية لابن السبكي(2/ 279)). قال ابن حجر في تهذيب التهذيب(تهذيب التهذيب 1/217) : وروى الخطيب بسند صحيح أن الإمام أحمد سمع كلام المحاسبي فقال لبعض أصحابه ما سمعت في الحقائق مثل كلام هذا الرجل ولا أرى لك صحبتهم. قلت: إنما نهاه عن صحبتهم لعلمه بقصوره عن مقامهم فإنه في مقام ضيق لا يسلكه كل واحد ويخاف على من يسلكه أن لا يوفيه حقه. وروى الخطيب البغدادي(تاريخ بغداد1/390 أيضا عن ابن الأعرابي قال قال: أبو حمزة كان الإمام أحمد بن حنبل يسألني في مجلسه عن مسائل ويقول ما تقول فيها يا صوفي. قال العلامة محدث العصر عبد الله الغماري(الإعلام في أن التصوف من شريعة الإسلام مرجع سابق34) كفى بهذا القول من الإمام أحمد ردا على أدعياء تقليده كابن تيمية وأذنابه الذين ينكرون على الصوفية ويرمونهم بالكفر والإلحاد. وأحمد يعده المتصوفة كما قال الهروي المتقدم من الأبدال. قال أبو هريرة كما أخرج الحاكم في المستدرك(المستدرك على الصحيحين للإمام الحاكم3/18 رقم الحديث4292) : “لقد كان أصحاب الصفة سبعين رجلا ما لهم أردية”قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.تعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. قال الحاكم: “تأملت هذه الأخبار الواردة في أهل الصفة فوجدتهم من أكابر الصحابة رضي الله عنهم ورعا وتوكلا على الله عز وجل وملازمة لخدمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم اختار الله تعالى لهم ما اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم من المسكنة والفقر والتضرع لعبادة الله عز وجل وترك الدنيا لأهلها وهم الطائفة المنتمية إليهم الصوفية قرنا بعد قرن فمن جرى على سنتهم وصبرهم على ترك الدنيا والأنس بالفقر وترك التعرض للسؤال فهم في كل عصر بأهل الصفة مقتدون وعلى خالقهم متوكلون.يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم(النووي شرح صحيح مسلم1/7/ط2) عن أحد شيوخ شيوخه: كان أبو عبد الله هذا الفراوى رضى الله عنه إماما بارعا في الفقه والأصول وغيرهما كثير الروايات بالأسانيد الصحيحة العاليات رحلت إليه الطلبة من الأقطار وانتشرت الروايات عنه فيما قرب وبعد من الأمصار حتى قالوا فيه للفراوى ألف راو وكان يقال له فقيه الحرم لإشاعته ونشره العلم بمكة زادها الله فضلا وشرفا. ذكره الإمام الحافظ أبو القاسم الدمشقى المعروف بابن عساكر رضى الله عنهما فأطنب في الثناء عليه بما هو أهله ثم روى عن أبى الحسين عبد الغافر أنه ذكره فقال هو فقيه الحرم البارع في الفقه والأصول الحافظ للقواعد نشأ بين الصوفية في حجورهم ووصل إليه بركات أنفاسهم.
قال الذهبي رحمه الله تعالى في سير أعلام النبلاء(سير أعلام النبلاء للذهبي مرجع سابق15/410) في ترجمته للإمام الصوفي الحجة شيخ الإسلام ابن الأعرابي:”إنما التصوف والتأله والسلوك والسير والمحبة ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الرضا عن الله ولزوم تقوى الله والجهاد في سبيل الله والتأدب بآداب الشريعة من التلاوة بترتيل وتدبر والقيام بخشية وخشوع وصوم وقت وإفطار وقت وبذل المعروف وكثرة الإيثار وتعليم العوام والتواضع للمؤمنين والتعزز على الكافرين، ومع هذا فالله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.والعالم إذا عري من التصوف والتأله، فهو فارغ، كما أن الصوفي إذا عري من علم السنة، زل عن سواء السبيل.وقد كان ابن الأعرابي من علماء الصوفية، فتراه لا يقبل شيئا من اصطلاحات القوم إلا بحجة. قال محدث العصر المتقدم عبد الله الغماري: ذكر العلامة القاضي أبو عبد الله محمد الطالب في حاشية المرشد المعين وهو منظومة في التوحيد والفقه المالكي:أن غالب علماء الظاهر الذين لهم تميز ونبوغ في الحفظ والإتقان إنما نالوا بمخالطة بعض العارفين كابن سريج بمخالطة الجنيد والعز بمخالطة أبي الحسن الشاذلي وابن دقيق العيد بمخالطة المرسي.انتهى. قال: والأدلة كثيرة جدا على أن العلماء كانوا يعتبرون التصوف من الدين ويعدون الصوفية من الصفوة المختارين . إذا رضيت عنــي كــرام عشيــرتيفلا زال غضـــــبانا علي لئــــــامهاأبو الطيب:وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كاملوقبله حبيب بن أوس الطائي: أبو تمام:وإذا أرد الله كشف فضيلة طويت أتاح لها لسان حسودلولا اشتعال النار فيمل جاورتما كان يعرف طيب عرف العود