عشرون عاما…(#الكتابة_بالسكاكين)/ الشيخ نوح
وصلتُ قبل ساعات من زيارة لداخل البلاد، وشاهدت من كانوا أطفالا وقد صاروا شبانا بشوارب رجولية خفيفة، تعلن عن نضجهم الذكوري، وبأحلام صفرية.
شاهدت البنات اللواتي كن يستحمن على ضفة النهر شبه عاريات، لأنهن لا يحملن على صدورهن سوى نقاط فلفل أسود، وقد أصبحن يحملن على صدورهن الطلائعية رمانات كبيرة تشمخ من تحت الفساتين والملاحف كأنها سناجب متحفزة للهرب.
شاهدت من كانوا كهولا وقد أصبحوا على أعتاب الشيخوخة بعد أن نجوا من كل الكوارث، والجوائح الموسمية، والأكاذيب التي يتقن نسجها السياسيون من حرير الكلمات البراقة والمسمومة في آن.
أطفالا جددا وسخين تمتلئ بهم الشوارع، يركضون رشيقين كبنات آوى في الجو شبه الشتوي، يتراكلون كرة قدم متقشرة وشبه فارغة من الهواء، ويهربون كلما داهمتهم خُردة يقولون إنها سيارة تاكسي.
وجوه محفورة بالكد، تفوح منها رائحة أسماك “يابوي” او “ياي بوي” والمعكرونة الرخيصة التي شارف تاريخ صلاحيتها على النهاية.
شوارع تكيل القمامة بالأطنان، وانتظارات لا تحين لشيء مبهم، يأتي من تلك المكاتب المكيفة التي يستوطنها رجال بربطات عنق بنفسجية أو حمراء أنيقة، وبرواتب ضخمة وسيارات لامعة، ونساء نصحهن الطبيب بممارسة الرياضة كطريقة مترفة للتخلص من كتل الشحوم الزائدة والكولسترول. رجال متورمون ونساء لحيمات، لا يشبهون أهل البلد في شيء إلا في الأسماء والألقاب.
أجيء من زيارة أليمة عبر طرُق بفراغات كفراغات الأمشاط التقليدية. طرق مسوّسة أو بلا أسنان، ولكنها تعض-حتى الموت- أرواح المواطنين كلما حلموا بالسفر، بحثا عن ثمن فخذ دجاج مثلج وفاقد للنكهة والرائحة.
شاهدت كيف يشيخ كل شيء، ويصدأ كل شيء، ويشحب كل شيء في أقل من عشرين عاما، وهل كان هناك بريق موثق حتى قبل الأعوام العشرين لغير السراب؟.
أعتذر لكل هؤلاء وأولائك عن اللغة التي لا ترقى لوصف المشاهد التي تتكرر منذ عقود من التراكم السيء، والتي أشاهدها كل مرة بنفس الدرجة من الدهشة والحزن والتراجيديا. أعتذر حقا، لأنني لا أكتب بالسكاكين ولا بالإبر ولا البكتيريا ولا حتى بالبطيخ.