آراءموضوعات رئيسية
اسرائيل في الخليج.. كالمستجير من الرمضاء بالنار/ أحمد بن ناصر المعمري
أحمد بن ناصر المعمري
الانسحاب من أفغانستان، والمفاوضات الحالية بأوروبا مع طالبان، وتقليل الجنود في الخليج، ومحاولة عقد اتفاق عاجل مع إيران، تبين إنه عمل مخابراتي استباقي لهذه الأحداث الجليلة، وبات عصر تفوق أمريكا على المحك اقتصاديا وعسكريا، لذلك تحاول بكل الطرق تثبيته قبل أن يزيد الصدع، ويصعب الجبر، وتتهاوى مثل جلمود صخر حطه السيل من عل، فما يحدث حاليا ليس موجه لروسيا بشكل خاص فقط، بل محاولة خلق فوضى في محيط روسيا تبقيها في صراع يستنزف مواردها لتحييدها -هذا إذا كان الروس سيهتمون للإعلام الدولي والمنظمات الانسانية مثلما تفعل لنا، أو إنها ستحكم بقبضة من حديد لتفادي هذا الأمر-، فالأمر موجه برمته لعدم أخذ الصين لتايون؛ فتفرغ الصين من هذه الخطوة يمهد لتوسعها إقليميا ودوليا، وقوة الصين ليست فقط في سلاحها ورجالها بل في قوتها الضاربة الاقتصادية التي للآن لم تستخدمها، وهذا ما يفسره عدم تدخل استراليا الصديق الموثوق لبريطانيا بشكل قوي في الأزمة الأوكرانية، لانشغالها بالتحركات الصينية ورصدها مع القوات الأمريكية المرابطة هناك.
إن الغليان لا يؤدي دائما للثوران، ولكنه نذير ومؤشر خطر، ومصدر قلق عند البعض، وعند البعض الآخر هو درجة حرارة مناسبة لطبخة تعد بإحكام للاستفادة منها كسوب ساخن أو إبريق شاي، وبالمنطقة إيران والكيان المحتل هما المستفيدان من الثوران هذا، فإيران تستفيد من هذه المشادات لتتلقى دعما من الصين وروسيا لاشغال الغرب في منطقة الشرق المتوسط عن طريقها مباشرة، أو عن طريق أذرعها بالمنطقة، وكذلك تستفيد من تودد الغرب لها من خلال خفض الصرامة معها في مفاوضاتها النووية، والتغاضي عن بعض مشاريعها لتحييدها من هذا الصراع، ويستفيد الكيان الصهيوني من خلال تغلغله في منطقتنا، وترويج نفسه بأنه قادر على ملئ الفراغ الأمريكي، وتبقى علامة التعجب الكبيرة علينا، هل لا زلنا رهنا للقوى الأخرى؟ فسابقا بين الشرق والغرب، وحاليا بين الولاء لإيران أو الصهاينة، ألم نستفد من الدرس الأمريكي وهو الأقوى عالميا حين خذل المنطقة في جميع قضاياها؟ وهو الذي ترك هذه الجيوب المعادية تنمو وتستفحل تحت مرأى مخابراته، ولما تضرب بيد من حديد هذه الجيوب، يخرج لينادي بحقوق الإنسان وغيرها، وإن كبرت وهددت مصالحهم، أتوك كشركاء لضربها، فهم يتعمدون جعلها لا تموت ولا تنمو أكثر بحسب مقاس مصالحهم.
إن التاريخ يعرض لك فرصا قد لا تتوفر مرة أخرى في عقد أو أكثر للعلو والصعود، ولعل أغلب هذه الفرص تكون في زعزعة النظام القائم، لخلق مساحات يمكن التوسع والمناورة فيها، لذلك علينا الاصطياد في الماء العكر هذا، والخروج بدور أقوى في النظام العالمي الجديد الذي بدأ يتكون، فلا يمكن لكلا الطرفين حاليا معاداتنا في هذه الظروف الحساسة لما نمثله من ثقل معا، وقد قال الشاعر وأحسن:
إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها
فَعُقبى كُلُّ خافِقَةٍ سُكونُ
إن العدو عدوٌ ولو لبس ما لبس من الحلل، ولو تنكر بالمناكير، وقد قال الفضل بن العباس:
لا تَطمَعوا أَن تُهينونا وَنُكرِمُكُم
وَأَن نَكُفَّ الأَذى عَنكُم وَتُؤذونا
اللَهُ يَعلَمُ أَنّا لا نُحِبُّكُمُ
وَلا نَلومُكُمُ أَلّا تُحِبّونا
كُلٌّ لَهُ نِيَّةٌ في بُغضِ صاحِبِهِ
بِنِعمَةِ اللَهِ نَقليكُم وَتَقلونا
وسأذكر هنا كيف استطاع هذا الكيان الخبيث استغلال إيران وأذرعها ليروج نفسه على إنه المنقذ والصديق بالتنسيق مع أمريكا في بضع نقاط، وهو العدو الألدّ الأول، مع توضيح ما يخطط له هؤلاء الصهاينة لمنطقتنا:
- يعمل جاهدا على قطع علاقتنا بالعالم العربي والإسلامي، والتي كانت تعد أقوى أوراق الضغط مع الطاقة، لأن ذلك معناه تحجيمنا إقليميا ولدورنا فيها، وخسران مليار شخص يقلقون مضجع الكيان المحتل وروسيا والهند والصين والغرب كذلك، وإن كان هذا صعب سابقا فليس صعبا حاليا، وإليك ما تفعله إيران وتركيا والروس السولاف وبريطانيا مع كندا واستراليا.
- خلق الكيان صورة مهزوزة لأصحاب الدول التي تتعامل معها، من خلال تسريبات ومعلومات حقيقية سرية أو مكذوبة ، وإظهارهم بمظهر المبتذل والمحتاج والفكاهي لخلق فجوة بين ولاء الشعب والحكام.
- محاولة إبعاد الناس عن القرآن وعلومه، لينشأ جيل خاوي من عقيدته وعروبته، بذلك ينزعون الحمية التي نأنف بها من التقارب مع أعدائنا، ونقاتل بها بضراوة عن عقيدتنا وأرضنا ولو نأكل التمر ونشرب الماء فقط؛ فإنشاء جيل مادي بحت مع صورة مهزوزة أخذها من كون الساسة لا يبالون بنسف القيم أمام المصالح، سيتحلى هذا الجيل بهذه الصفة التي يقدم مصالحه ليس فقط على قيمه الإسلامية والعربية، بل وحتى على الوطنية.
يحتاج الكيان الصهيوني لأرضية حرب بعيدة عن أرضه، تحسبا لامتلاك إيران للسلاح النووي، فإنه بذلك لا يستطيع أن يتجابه معها مباشرة، لذلك ليس من صالحه خلق منطقة صراع قريبة من حدوده، بل يود توريد هذه الحرب لقرب إيران، وعن طريق من؟ عن طريق الخليج! ولا تسألني كيف؟ فالكيان ماهر حتى بتوريط أمريكا فكيف بغيرها؟!
- لا يمكن للاحتلال بمساحته الجغرافية الصغيرة جدا والمستوية، مجابهة دولة نووية ضخمة أخرى تمتلك جغرافيا يصعب مراقبتها وحتى غزوها، لذلك يحتاج إلى دول تنوب عنه في القتال والمراقبة التجسسية كما تنوب الفصائل في سوريا والعراق واليمن عن إيران.
- صعود الخليج اقتصاديا بقوة ينسف خطط الصهاينة التي تنص على جعل هذه الدول تابعة لهم اقتصاديا، أو كما يروجون لكيانهم بأنه سيكون سويسرا الشرق الأوسط؛ لذلك توغل الكيان عسكريا سيتبعه توغل اقتصادي، ولا يخفى على أحد طرق التجسس القوية لديهم، مما يجعل الشركات الخليجية وأصحابها تحت رحمة المراقبة والابتزاز مقابل إعطاء الضوء الأخضر للتوغل داخليا بهذه الدول والوصول لأعصاب اقتصادها، زائد محاولة كبح هذه الاقتصادات من النمو السريع حتى لا تتمكن من صنع أرضية صلبة يمكنها من الاستقلال اقتصاديا.
- ستبدأ أمريكا بمنع بيع بعض الأسلحة بالتنسيق مع الاحتلال، ليقدم المحتل عروض بديلة مغرية، مثل الطائرات بدون طيار، ومضادات الطيران، والحرب الإكترونية، هذا لتجعل من سوق الصهاينة سوق ربحي ورائج إقليميا، يكفيها من الدعم الضخم الدائم، لتعطيك النسخ التجارية من أسلحتهم وتحتفظ بالتفوق بالمنطقة، فضلا عن إن شبك هذه المنظومات كالناتو سيخولها لرفض شراء أسلحة من دول أخرى كما فعلت أمريكا مع تركيا، لتكون هي الآمر الناهي والمتفوقة.
إن الخذلان الذي حدث في حرب اليمن ما هو إلا من خطتين، خطة توسعية إيرانية، وخطة وضعها الصهاينة لاستغلال إيران بالتنسيق مع أمريكا، وهذا واضح من خلال منع دخول ميناء الحديدة واستهدافه، والتخبط في تصنيف المقاتلين هناك، مما يعني استمرار الدعم لتكبيل المنطقة وتقييد تحركها، مع دخول فصائل أخرى للجبهات مثل الفصائل العراقية لتضييق الخناق عليها من الشمال والجنوب واشغالها دوما.
- إن تورطنا بهذا المحتل سيفرض علينا اتفاقية تمنع امتلاكنا لسلاح ردع، لأن هناك دولة واحدة خولت نفسها ورقيا الإنابة عنا، ولو أنها العدو المتظاهر بثياب الصديق، فهو لا يرانا إلا أدوات لمشروعه، وسيصعب امتلاك هذا السلاح بشكل أكبر سريا حين تبنى مقرات تجسسية بمنطقتنا، وبسبب السماح لطائراتهم بالتحليق فوق أجوائنا، مما يعني احتمالية اكتشاف ونسف المشروع في مهده تزيد لنسبة ٩٠% كما نسف مفاعل العراق وسوريا في مهديهما.