دولة فلسطين الفاشية ومراسيم عباس المتناسلة / نادية عصام حرحش
21 فبراير 2022، 02:11 صباحًا
كل يوم قصة جديدة مليئة بالفضائح والتجاوزات. لم يعد هذا التعبير مجازياً. فهذا ما يحصل بالفعل. الحقيقة ان ما يحصل أكثر مما يحتمله اليوم الواحد لفضيحة جديدة.
بينما اكتب كلمة فضيحة اسأل نفسي ان كانت هذه الاحداث هي فضائح ام تجاوزات او مجرد فساد متأصل بالمنظومة العامة يجب ان نتوقف عن التوقف عندها والاهتمام بأمور أكثر أهمية. فلا امل يرجى في ظل كل ما يجري.
ولكن، اتأمل المشهد من جديد واتساءل، ما الذي يسعى اليه أبو مازن؟ ما الذي يجري وسط كل هذه التعيينات والتغييرات والتجاوزات؟ لا يمر يوم الا ونسمع عن مرسوم جديد تتغير فيه القوانين وتعيين لعظام الرقبة السلطوية. كم بهذه الرقبة من عظام؟ رقبة السلطة الفلسطينية ستجل في موسوعة غينيس لاحتوائها على عظام الجسد كله فيها.
كانت هذه الأمور موزعة على السنة. يعني كنا نستطيع ان نأخذ نفسا بين الاستباحة والأخرى. من كل صوب هناك مصيبة. ما جرى في اليومين الأخيرين على سبيل المثال: قرار بقانون بشأن دعاوى الدولة يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها ومؤسساتها والمؤسسات التابعة لها كافة، احدى دوائر دولة فلسطين.
ربما لا يزال المجتمع الفلسطيني متمسكا بفكرة منظمة التحرير كالمظلة الشاملة للكل الفلسطيني والتي كانت السلطة هذه مشروعا مؤقتا فيها. والحقيقة ان هذا القرار مهما كانت الدوافع وراءه فلقد جاء بعبارة حق لم يرد فيها أي حق بالتأكيد. لأن الحق هو ان منظمة التحرير لم تعد الا ادة في يد السلطة التي يرأسها الرئيس الفلسطيني الذي يرأس منظمة التحرير وحركة فتح. ربما حان الوقت لنسقط الغطاء البالي الذي كشف عورتنا منذ تركنا مشروع السلطة يصبح مشروعنا التحرري، لنقع في قبضة هؤلاء وتصبح المنظمة مثلنا نحن الشعب أداة تستخدم للتحكم والسيطرة والاستحواذ الخاص للرأس وعظام رقبته.
استوقفتني عبارة “بناء على الصلاحيات المخولة لنا، وتحقيقا للمصلحة العامة.” لوهلة فكرت انه يجب ان يكتب المصلحة الخاصة لا العامة، ولكني استدركت بأن من يتكلم هو صاحب كل شيء، فالعام والخاص عنده هو مصلحته هو. هذا ما انتهينا اليه، نظام شمولي فاشي.
فالفاشية هي: تيار سياسي يعطي السلطة التنفيذية كافة الحقوق فيفضلها على بقية السلطات، كما “أنّها مجّدت مبادئ الدولة إلى حد تقديسها، ويشكل رئيس الدولة فيها النواة الصلبة ومصدر السلطات، ويعود أصل كلمة الفاشية في جذوره إلى ما يُعرف بالرزمة، والتي تعني حزمة من القضبان، وترمز إلى السلطة العقابية.”
ولأن النظام الشمولي الفاشي من شأنه ان يعزز التابعين له ويفصلهم ويشقهم ويستثنيهم عن عامة الشعب، أصدر الرئيس الفلسطيني كذلك قرارا جديدا بشأن جواز السفر الدبلوماسي بين قوسين في أي بي ، يمنح فيه جواز السفر الدبلوماسي ل٢٨ فئة، تشمل زوج صاحب الفئة في المادة الثانية. وطبعا كان هناك مادة تمنح رئيس الدولة منح حالات خاصة يراها مناسبة، ومادة تمنحه \هم استرداد الجواز إذا ما صدر بحق صاحب الفئة الممنوح للجواز صدور حكم قطعي بحق حامله من مجلس تأديبي او ….. ودعم او مناصرة جهة خارجية او داخلية ضد الدولة ومؤسساتها الدستورية او تهديد مصالحها الوطنية واستقرارها الدستوري والنظام والسلم الأهلي فيها…
الحقيقة انني كلما لمحت عيني عبارة أستطيع ان اتخيل كيف يتم شد الخناق أكثر على الانسان بجعله تابعا خاضعا منشقا عن نفسه أولا مطأطئ الرأس الى الابد بكونه عظمة في رقبة لتشد رأس واحد.
وان كان للرئيس النصيب العام من شد عظام الرقبة لبقاء رأسه مشدودا، فلرئيس المجلس الوطني المعين حديثا نفس النصيب، قد يبدو الامر خارجا عن التفكير باستخدامه كسخرية، لما يحمله رئيس المجلس الوطني من لقب يتداوله الناس منذ سنوات. فلقد سارع بتعيين ابنه رئيسا لديوان رئيس المجلس الوطني مفوضا بكافة الصلاحيات المالية والإدارية في المجلس الوطني الفلسطيني.
اما ابنه الاخر، فلقد تم تعيينه مستشار اول – نائب سفير على الكادر الدبلوماسي في وزارة الخارجية الفلسطينية.
بين كل هذا، تبقى قضية اغتيال نزار بنات التي بينما تنشر التقارير الصحفية الأجنبية تفاصيل مصورة عن جريمة قتله، يرفض المتهمون بجريمة القتل المثول للشهادة امام المحكمة من جهة، ويقوم المتحدث باسم النظام جمال نزال بكتابة التالي على صفحته: في حزيران ٢٠٠٧ قتلت حماس ٧٠٠ نزار بنات بينهم ٦٣ شخصا يحملون اسم احمد ومحمود ومحمد. لم يحدث لحركة إسلامية ان قتلت بيدها هذا العدد من المسلمين او غير المسلمين منذ حروب الردة.”
بالإضافة الى إصابتي بالغثيان من هذ الكلام. أفكر كيف يستخدم الحزب المعادي للحزب الإسلامي مصطلحات إسلامية لتأجيج الفتنة.
هل يخضع نزال للمساءلة لما يحمله منشوره من فتنة وتهديد بالسلم الأمني واستباحة واعتراف بقتل السلطة لنزار؟
كيف لي ان اسأل حيث من المؤكد ان كل من يدخل في عظام الرقبة يجب ان تكون هذه الآفات والتجاوزات والانحرافات جزء من وصفة الفساد التي تشد الرقبة وتبقي رأسها عاليا.
شغلتنا هذه الأمور عن قضايا حقيقية، كانت تتمحور حول تدني مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار. الاستعداد للتظاهرات التي تم لجمها بتأجيج الاقتتال العائلي بالخليل، والتنسيق لاغتيال الشباب في نابلس وجنين من قبل جيش الاحتلال، وتأجيج الوضع من جديد في الشيخ جراح من قبل الاحتلال، فتم تدعيم الرأس بعظام شديدة تكسر ما حولها لتبقى واقفة مشدودة نحو الرأس.
في السابق كنت أفكر، ان الانقسام لا يمكن ان يحدث بالمجتمع الفلسطيني حيث البيت الواحد يجتمع على مائدته الفتحاوي والحمساوي والجبهاوي والجهادي والمستقل. وصار الانقسام جزء بديهيا من تكويننا المتهالك. كنت أفكر ان سلطة تحت احتلال لا يمكن ان تخرج دولة، وان التحرر تحت احتلال لا يمكن، وعليه فان ما يصيب الشعوب بعد التحرر من حروب أهلية لن يصيبنا.
اليوم، نعيش أبشع اشكال الحكومات الشمولية بما تمثله من فاشية باضطهاد واستبداد وظلم وفساد يخر من كل اتجاه، تلاشت فيها منظمة التحرير لتصبح في قبضة رجل واحد، ولا يوجد غير مؤسسات تخدم عظام الرقبة فتتشكل وتتوسع وتتنفذ ليتنفذوا على ما يمكن السيطرة عليه والاستحواذ عليه من موارد واموال واستحقاقات. دولة بالية انهار فيها كل شيد. منظومة تعليم وصحة واقتصاد وعدالة بالية متلاشية الا من انفار ينفرون من اجل مصالحهم الخاصة. صرنا أقرب لحرب أهلية ولم نر من الدولة الا ما استنفذه هؤلاء لمصالحهم، ولم يخرج السلاح الا ليقتل الأخ اخاه والجار جاره، وصار الاقتصاد احبالا لأموال يتم نشرها بغسل اخلاقنا ودمائنا وما كان منا.