تحضير لموت متوسط السرعة تحت السرير…/ المرتضى محمد أشفاق
لن تسطيع فئة من الناس مهما تعددت روابطها، وتداخلت عوامل الالتقاء فيها أن تقرر منفردة أن البقرة صارت تدعى أرنبا، وأن التيس صار يدعى جملا…لكنهم لو ملكوا الثروة أو السلطان وأرادوا ذلك لانتزعوا دعم العامة والمغلوبين على أمرهم، ويبقى الأخطر موافقة النخب ومن يدركون سخف الأمر، وخروجه عن دوائر العقل والمنطق بالمباركة، وإيهام الفاعلين أنهم حققوا حسنة ما سبقهم إليها أحد من العالمين…أليس مهيع المال والسلطان شافعا مشفعا، لا ترد له طائشة، ولا نائشة..
ثم يبدو للأمة الغبية أنْ تقبل أنَّ البقرة والتيس استعادا اسميهما، لكن الجمل صار يدعى حمارا…
الفاعلون السياسيون أمة تتصارع على التمدد والاستقطاب للحصول على مستعمرات بشرية..المستعمرة البشرية هي الرصيد إلى الصدارة، والطريق إلى النفوذ، والذخيرة للانتصار على الفقراء بالفقراء والمغفلين في غزوات جمع المال…المال هو السر المحجوب عن العامة في غطاء نبيل مثل البركة، والحماية، والمصلحة العامة المقدسة.. وهو الملمع لأنصاف المثقفين، والمثقين المتسَمِّرين في وضعية الصامت الفكري بما يُدعى مصلحة القبيلة وكرامتها، وهو نفسه الشعار الذي تضلل به بعض الأحزاب السياسية، والحركات الحقوقية منتسبيها باسم وطن وحرية ووطنية….
في فترة كمون الفتنة، وسيطرة التعادل المصلحي والريعي تدعو السلطةُ الدينيةُ للسلطة السياسية على المنابر بالنصر والتمكين، وتتلو السلطةُ السياسية دعاء الصباح في سبحة كهرمان السلطة الدينية لأن وجود كل منهما ضروري للأخرى؛
وبتطور الحياة تعددت المصالح، وارتفع مستوى الحاجات، وتنوعت أسباب الانتفاع، فتصدع حلف السلطتين، وطمع كلٌّ في لقب خصمه.. فزاحم نقباءَ السلطتين- الدينية والسياسية- مُغَفَّلوهم أمسِ- عامةً ومثقفين- على كرسي النائب والعمدة والمستشار، والمدير، والوزير، وأُنقذ الموقف المنذر بالانفجار بتطبيق المحاصصة، وتوزيع المغنم بين المتصارعين، وهو ما يشبه لف الجرح المتعفن بغطاء من حرير، تحضيرا لموت متوسط السرعة تحت السرير…
واتسعت البلاعيم للاحتواء الأكبر، وهو احتواء تجاوز الناس وما يملكون، إلى مصادرة أفكارهم وعقولهم وأحلامهم، وزرع الألغام في كل طريق يُتوهم أن عقول البسطاء تسلكها لاستبيان حقيقة ما هم فيه من تهميش، وتغفيل، وتجهيل وإقصاء…
الوعي هو مصباح الشعوب، ووقود تحررها ورفضها للاستعباد والتبعية..كيف نسمح للعامة أن تعترض على قرار المتسلط بثروة، أو جاه أن البقرة صارت تدعى أرنبا؟؟
القبلية اليوم صراع وجودي، طائفي وطبقي كامن، ونشط، في غطاء شبه وثني كأنه قدر وصراط مستقيم لا يتنكبه إلا الضالون…