انقلاب…/ المرتضى محمد أشفاق
.محمد يحيى خمسيني موشك على التقاعد قبل التوظيف…. لم يعد أمامه إلا ممارسة السياسة المحلية فهي – كما يزعم – توفر لسفلة الفكر قامات طويلة وتتلافى الساقطين من ذوي الحظوظ المتعثرة….ألم تجعل من “أعيمر” الذي لا يميز بين باريس وافغانستان موظفا ساميا وممثلا للقبيلة في أنظمة مختلفة….
لماذا يحرم نفسه بحجة المبادئ التي تفقر الناس وتجعل حياتهم شقاء متواصلا وكدحا لا يفلح؟؟دعا عشيرته الأقربين … وحثهم على الظهور وممارسة حقهم السياسي دون الوصاية من أحد … فلماذا يرضون بالتهميش والتصفيق لغيرهم ليعلو نجمه وتكثر ذات يده ويكتفون بالفتات يرميه إليهم كخراف أقعدها الهزال عن المراعي…..لا …لا من الآن (بكسر النون لأنه على رأي السيوطي) فصاعدا سيخلعون عنهم ربقة الاسترقاق السياسي والتبعية العمياء…..حتى “لِفْرَيْخْ ملعينين” الذي كان يسرق خبز “الكانتين” يخفيه في سروال “احمد الحمدي ” ويوزعه على فتيات “ليساطور”ويبول إذا نام على سريره في “الدُّورتوار” بثانوية لكوارب وطرد منSeconde A كان من أرقى الموظفين…..أما هو فصحيح أنه تعثرت دراسته نظرا “للمحور” الذي كان يبكيه في الفصل لأن طعامCORNE BOEUF لم يوافقه ….لكنه يعرف كل الصيغ الصرفية وأوزانها ويعرف عمل الصفة المشبهة باسم الفاعل…ويعرف زحافات الخفيف والاستعارة المكنية…ويميز بين الرمل والمديد..وبين مجزوء الوافر والهزج…..ويعرف أن أطول كلمة في الفرنسية هي anticonstitutionnellement تعلمها وهو في السنة الثانية إعدادية….وحفظ القرآن الكريم على الشهود …طبعا مشكلة ترتيب سور سبح مثل (إذا زلزلت…والعاديات…وإذا جاء نصر الله ) كانت عقبة لأنه درسه على “امريامو” التي كانت تحرر من يشترون منها “كرموص” متم” المتسخ “بالنيله والشم” قبل أن يجيد حفظ كتبته…
أصبح محمد يحيى مصدر قلق لبعض النخب السياسية..هددوه..توعدوه…ثم بدا لهم أن يصالحوه….دعوه إلى وليمة ضخمة زعموا له أنها على شرفه…ولما عدد أطباق الطعام وأشكاله تمنى أن يكونوا أعطوه ما أنفقوا فيها نقدا ….وفي نهاية الدعوة وعدوه بوظيفة سامية ستمحو عنه آثر السنوات العجاف.. سنوات البطالة والانتظار….جلس في بهو العمارة يعد أعمدتها الرخامية…ويتلمس الجص والآجر…كاد يقع وهو يفحص الأرضية المغطاة بالمربعات الملساء المتعددة الألوان..نظر إلى أعلى فاندهش باصطفاف الثريات وأشكالها البديعة وهي تبرق وتنبعث منها ألوان زاهية….ولج إلى الداخل وجلس على مقعد ضخم مع بعض الزوار… نظر إلى الأبواب ومقابضها الفضية..مرر عليها يديه ….
حرك المفاتيح اللاصقة إلى أعلى و إلى أسفل….ثم عاد إلى الجلوس وهو يتفقد حركة الداخلين والخارجين كالباحث عن ضالة بشرية….أعجبته البذلات المدنية وربطات العنق…شم ذراع “الفست” لم تختف بعد رائحة لباس المرحوم “فوكوجاي”….كان إذا دخل من أعجبته صورته وقف وسلم عليه وضغط على يده طويلا..ثم يدخل يده في إبطه ويحكها على قميصه يعطره مما علق بها من رائحة يد (البطرون)… انقطع الى قطيع السكرتيرات وبدا يعلق على سوقهن وعراقيبهن ردد غافلا : نبئت أن فتاة كنت أخطبها @ عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول@كان على موعد مع زعيم حيه السياسي وتعيين كبير في وظيفة محترمة…. أجال بصره وتساءل يخمن موقع مكتبه المنتظر…لا شك أنه ذو الباب الغامق …وأضمر أنه سيتفنن في تبديل السكرتيرات…لكل أسبوع سكرتيرته الخاصة…تجنبا لحال صديقه أحمد الذي “دحسه” عطر سكرتيرته الثابتة……في أحد أحلامه ومشاريعه الوهمية أصر أن يكون أول قرار يتخذه بعد تعيينه المرتقب هو طلاق “افيطمة” التي لا تصلح زوجا لموظف سام….منتفخة الساقين….تجهل قيادة السيارات….لا تدخن….ولا تستطيع لبس البنطلون تحت الملحفة لعظم عجيزتها، وثدياها يمارسان دوما تدريبا على الملاكمة مع ركبتيها أثناء المشي….
محال أن يحضرها مع زوجات كبار الموظفين.. لا… لا … هذا النوع لا يصلح زوجا للموظفين الكبار…لا يدري بأيهما هو أفرح : التعيين المنتظر…أم فراق “افيطمة”… استعرض المناصب العليا في الدولة ليختار منها قبل أن تقترح عليه كان على يقين أنه وعد غير مكذوب…وكان بعضها يصرفه عن بعض…لم يستطع أن يجزم بأيها أوفر مردودية… يعترف أنه لا يمكن أن يكون وزيرا فهو من ” أهل موطس ” يضحك في الصلاة إذا سمع الأطفال يضحكون..ليس هذا فقط …هو أيضا يضحك إذا تذكر الحادثة التي أضحكته….فكر في منصب الوالي الذي يمثل الرئيس في كل شيء لكن وعي المواطنين أصبح يقض مضاجع الولاة … فكر في منصب محافظ البنك المركزي ؟ ” يَغَيْرْ آن ما نعرف عَدْ الفظه” جهر بذلك فرمقه بعض الجلاس حائرين من حديثه لنفسه.. تحول إلى مدير سونمكس “أَفْرَكْ” قالها جهرا أيضا فخاف بعض الجلاس وابتعدوا عنه قليلا لعل به مسا من الجن.. ..
طوى صفحة الأحلام بالوظائف…ثم عاوده خاطر جديد: لماذا لا يحاول أن يسلك أقصر الطرق ..يتوسط زعيمه السياسي ليحصل على كيل في كيل من أرض العاصمة…يبيع منه حتى يصبح من أثرياء البلد….أو عشر “رُومُورْكاتْ” جديدة تعطس فوق الكثبان الرملية محملة ب”افَّارِينْ” إلى المخابز في الداخل “الله الَّ اسْكِي ” وهو ثالث تعليق يقوله جهرا تفاعلا مع خواطره….ارتفعت الجلبة داخل العمارة وعم الهرج وخرجت الأفواج تجري تغص بها الممرات …أطلق ساقيه للريح …سقط ثلاث مرات بفعل الزحام والأرضية الملساء ليرى الجماهير تتحلق حول مذياع البواب (جاللو هاميدو) والبيان رقم 2….و أمواج البشر في الشوارع تصيح : انقلااب !! انقلاب….