الغرب لا يملك سوى العقوبات و بوتين سينجح في اوكرانيا/حسام عبد الكريم
11 مارس 2022، 13:13 مساءً
هذه ليست المرة الأولى التي يرى فيها العالم الرئيس الروسي منخرطاً في صراع عسكري. منذ صعود فلاديمير بوتين الى قمة هرم السلطة في روسيا, قبل أكثر من عقدين, دخلت روسيا في ثلاثة حروب. أوكرانيا هي الرابعة.
هذا لا يعني أن بوتين مهووس بالحرب أو مغامر مدفوع أيديولوجيا. كلا. في الواقع , أظهر الزعيم الروسي قدراً كبيراً من البراغماتية والاستعداد للتفاوض والتعامل مع الخصوم المعادين وحتى الأعداء اللدودين لإيجاد حلول دبلوماسية – سياسية للمواقف والمواجهات المعقدة. وتعاملاته وترتيباته الواسعة النطاق مع أردوغان في تركيا ونتنياهو الإسرائيلي هي أمثلة على ذلك. لقد دفعته براغماتيته وسياسته الواقعية إلى التعامل والتفاوض حتى مع حركة مثل طالبان في أفغانستان على الرغم من العلاقات التاريخية المريرة معها. كما تعامل مع حماس الفلسطينية كجهة سياسية معتبرة على الرغم من خلفيتها الفكرية المعادية.
ولكن لبوتين خطوطه الحمراء. وهو من خلال خدمته وخلفيته في الحقبة السوفيتية , لديه رؤية واضحة حول التهديدات التي يتعرض لها بلده, سواء كان اسمها روسيا أو الاتحاد السوفيتي. على رأس تلك التهديدات يأتي تدخل القوى الغربية في شؤون روسيا. يعتقد بوتين أن دول الغرب , وأمريكا على وجه الخصوص, مصممون على تطويق روسيا أو إضعافها أو حتى تفكيكها. وبنظر بوتين, تظهر سنوات يلتسين التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي , إلى أي مدى يمكن لأمريكا أن تذهب في إذلال روسيا وحرمانها من كل عناصر قوتها كدولة وبلد.
حرب بوتين الأولى كانت حرباً “داخلية”, أي حرباً داخل الاتحاد الروسي. الشيشان جمهورية روسية تتمتع بالحكم الذاتي. انها أول “مهمة وطنية” لفلاديمير بوتين, الذي كان وقتها جديداً في منصبه كرئيس وزراء ، لإنقاذ الاتحاد الروسي من التفكك. ومن المؤكد ان بوتين لم يكن لينسى المشهد المهين, عام 1996, حين تعرض الرئيس الروسي بوريس يلتسين للاذلال العلني من طرف الزعيم الشيشاني المتمرّد الذي طلب منه تغيير مقعده على الطاولة حتى يكونا في وضعية الند للند قبل أن يجلس للتفاوض, وقبل يلتسن! اندفع المتمردون الشيشان, الزاهون بانتصاراتهم على الدولة الروسية, وارتكبوا خطأ العمر. فبتشجيع من السلفيين الأجانب “المجاهدين”, خطاب وأمثاله, قاموا بغزو إقليم داغستان المجاور. كانت تلك فرصة بوتين لتصحيح الأمور واستعادة كرامة روسيا المفقودة. كان قاسياً جدا واستخدم القوة القصوى التي كانت تحت تصرفه الى ان تحققت هزيمة المتمردين الشيشان التامة.
كانت الحرب الثانية داخل نطاق النفوذ والمصالح الروسية المباشرة , أي حزام الجمهوريات التي كانت ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفيتي. لم يكن بوتين مقتنعا أبدا بأن “مودة” أمريكا تجاه جيران روسيا الأصغر كانت بدافع النوايا الحسنة. لهذا السبب انزعج بوتين, الذي كان في منصب رئيس الوزراء مرة أخرى, من ارتماء رئيس جمهورية جورجيا, ميخائيل ساكاشفيلي, في احضان أمريكا عام 2008. بقي بوتين ساكناً الى ان حانت الفرصة وجاءت شرارة الحرب من ساكاشفيلي نفسه الذي تهوّر وهاجم مجتمع الروس ومصالحم في المناطق ذات النزعة الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. ردت روسيا بقوة شديدة وألحقت هزيمة تامة بجورجيا وفرضت الاعتراف باستقلال المقاطعتين كأمر واقع. ذهبت آمال ساكاشفيلي في الدعم والتدخل الأمريكي سدى وكان انتصار روسيا كاملاً.
كانت الحرب الثالثة عام 2015 في سوريا لحماية مكانة روسيا ومصالحها العالمية. بالنظر إلى التحالف التاريخي لسوريا مع الاتحاد السوفيتي ثم مع روسيا ، قرر بوتين التدخل لدعم الدولة السورية التي كانت تتعرض لتهديد خطير من قبل تشكيلة من الجماعات المسلحة تتراوح في ولاءاتها من تركيا إلى أمريكا إلى السعودية إلى القاعدة! كان تدخل بوتين العسكري حاسمًا وشكل نقطة تحول في مسار الصراع السوري.
في الحروب الثلاث السابقة حقق بوتين نجاحاً كبيراً: خسائر عسكرية طفيفة, وفترة زمنية قصيرة. لم تتورط روسيا في حروب طويلة مرهقة تستنزف مواردها. أهدافٌ محددة بعناية وخطة حرب مدروسة جيدا مع رؤية واضحة حول كيفية إنهائها ومتى يتم الخروج.
وهو يهتم بالدبلوماسية والاساس القانوني للحرب. وزير خارجيته , لافروف, في الخدمة منذ وقت طويل جدا وهو خبير حقيقي في التفاوض على المسرح العالمي. لم تكن الدبلوماسية الروسية يوماً خاملة أو خالية من المبادرات والأفكار.
الآن في أوكرانيا, هدف بوتين واضحٌ كالشمس: إبقاء الناتو بعيدا عن روسيا. إن جلب القوى الغربية الى أعتاب روسيا ليس “قراراً سياديا” يمكن لأوكرانيا اتخاذه من جانب واحد. الغالبية العظمى من الروس يوافقون على ذلك الرأي. ولو فكر الأوكرانيون بعقلانية, بعيدًا عن المشاعر القومية المتطرفة, فإنهم سيوافقون أيضا. إن روسيا تطلب ببساطة من أوكرانيا أن تكون جاراً طيباً وصديقا متفهماً , وهذا ليس بالشيء الكثير لكي تطلبه.
من المؤكد أن بوتين أجرى حسابات دقيقة قبل أن يتخذ قرار الحرب , ولا بد انه اخذ في الاعتبار جميع الاحتمالات و السيناريوهات, بما في ذلك المقاطعة الغربية والعقوبات. وبخبرته الطويلة وعقليته الاستراتيجية, يعرف بوتين جيداً الحدود التي يمكن للغرب أن يذهب إليها في دعمه لأوكرانيا زيلينسكي.
هل سينجح بوتين في أوكرانيا؟ الامر ليس سهلاً ولكن على الأرجح ان الاجابة هي : نعم سيفعل.