حينما يشتد الزحام في طريق لا يسع إلا واحدا / المرتضى محمد اشفاق
… وللوقاية من شر مزعوم بذوبان النظام القبلي في الدولة الحديثة وجدت السلطة التقليدية نفسها مدفوعة إلى مباركة السلطة الجديدة استعماريةً أو وطنية لتشابه الأنساق في بنياتها ونياتها…
أليس تغولا واستعمارا واستغلالا باسم التفوق الطبقي والاستعلاء الديني والاستقواء المالي والسلطوي… الأنساق تتصارع داخليا على الرأسمال البشري المتجلي في أتباعٍ هم في السائد قطعانُ عوام وحواش، لا يميزون بين حلال وحرام، ولم يستفيدوا من علم ولم ينتفعوا بتربية، حسبهم التلقين بالجري وراء البركة في تقبيل الكف، والفخر بصدق الولاء..
فإذا جاء التهديد مستهدفا للنسق العام- ويكون عادة من أهل الوعي والفكر الرافضين سياسة استغلال الإنسان للإنسان- انصهرت تلك الأنساق في بعضها، وعطلت صراعها الداخلي إلى حين، لمواجهة الخطر المنذر بنسفها جميعا…نعم يتحول الصراع إلى تعاضد لمناجزة ذلك الخطر؛ الخطر هو الوعي المفاجئ الذي يكشف للناس سوءة الظلم والاستغلال، وتختفي التناقضات الضيقة التي تشتد كلما دَقَّ المتصارَعُ عليه وضاقت السبيل الموصلة إليه…
لذلك كان من شبه المسلم به مباركة الأنساق القبلية المختلفة للمتسلط خوفا على مصالحها، وطمعا في منافعه، أو بصيغة أحدث بقيت سياسة القوى التقليدية رجعية توالي الحاكم وتناصر المتغلب مهما كانت مخاطره وجبروته وفجوره، وقد يحصنون هذه المواقف بالمبررات الشرعية، مؤولين ومحرفين…
ولما انتشر الوعي وسمع الناس خطابا مغايرا لخطاب القوى القبلية التقليدية، تصدع الحاجز المُعْمِي عن حقيقة هؤلاء وتسلل إلى الواجهة قوم ليسوا من أبناء الشيوخ وليسوا من أحفاد الأمراء والنبلاء المزعومين مُسَوِّقين أنفسهم ببقية ولاء ثم التنازل عن نصيب من المغنم السياسي،،،
لكنهم وهموا فحلموا أنهم صاروا بالمحل الذي لا يصلح إلا بهم ولا يصلحون إلا له، فكيد لهم، وأبعدوا، ولم يجدوا بدا من التوبة، وتجديد البيعة والولاء لترسيخ الصنمية السياسية بآلهة متعددة ترتبط مصيريا، وجدت نفسها في خندق واحد مع المتغلب لحجب النور حتى لا يهتدي من يدعونهم الرعية والرعاع، ويستبينوا بوعي جديد خيط الحق والعدل الأبيض من خيط الظلم والغبن الأسود…
ولأن القطيع الآدمي يمشي في عناد وبحث عن مساواة يطمح فيها الجاهل إلى ندية العالم، والفقير إلى نزال الغني، في امتداد أفقي صفا صفا حتى إذا ضاقت الطريق وتحدد المغنم وقع الصراع والزحام، وكثر اللغط والإزاحة، والتشظي، على درج صعود لا يسع إلا واحدا…