لماذا يجب تأييد العملية الروسية ضد الغرب؟/ نبيل بكاني
16 مارس 2022، 10:30 صباحًا
لقد قسم الاجتياح الروسي لأوكرانيا ظهر الغرب الذي نراه اليوم وقد ترك جميع شعاراته الرنانة جنباً، فعمد إلى خرق شروط الحياد والسلم التي تبنتها أوروبا بعد نهاية حربها المعولمة الثانية، بتسليح أوكرانيا ووضع الأسلحة في يد الجنود الأوكران والمواطنين وتسليح حتى السجناء بمن فيهم المجرمين كما تم التصريح بذلك رسميا من قبل مسؤولي أوكرانيا، كما عمدت سويسرا إلى خرق الحياد بعد مئتي عام منه، وتم منع الإعلام الروسي من ممارسة حريته بعرقلته على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي الإجراءات العدائية التي لم تتخذها أي دولة من هذه الدول سواء خلال الغزو الأميركي لأفغانسان أو للعراق، أو الحملة الإرهابية للطيران الفرنسي على شمال مالي بمدنييه وعزله.
حسب المبادئ الدبلوماسية المعمول بها دوليا، وأيضاً وفق بنود القانون الدولي، فإن الحرب بين أوكرانيا وروسيا هي حرب بين دولتين، وهي من حيث الشكل تعبير عن أزمة استراتيجية تتعلق أساسا بالأمن القومي لروسيا، وليس مجرد غزو وتحرك استعماري كما هو الشأن في الغزوات الأميركية لبلدان تبعد عنها بليالي، والتدخل الروسي في أوكرانيا هو إجراء يمكن أن تقوم به أي دولة وصلت إلى الباب المسدود مع جارها، غير أن هذه الحرب قد كشفت الغطاء عن أزمة أخطر وأعمق، ألا وهي وأزمة النظام الامبريالي العالمي أو ما أطلق عليه في بداية الحرب العالمية الثانية النظام العالمي الجديد، والذي وضع لنفسه أهداف السيطرة على البلدان والتحكم في قراراتها بطرق أقل تكلفة من خلال السيطرة الاقتصادية والثقافية، بدلا من الاستعمار العسكري المباشر. وعندما يتجند كامل الغرب ضد روسيا لأنها اجتاحت بلدا جارا، فهذا كله ليس دفاعا عن هذه الدولة، وإنما هي مجرد شرارة لإشعال حرب بهدف كبح جماح روسيا التي تسعى إلى التوسع الاقتصادي داخل أوروبا وعلى امتداد مناطق النفوذ الاقتصادي الخاضعة للقوى الغربية كأفريقيا، وهذا جوهر المخططات الغربية التي نفذها حلف الناتو على امتداد أعوام لإشعال الحرب الروسية الأوكرانية، وهي أمور لا تخفى عن أحد. وإذا كانت العلاقة التي تربط كلا من الصين وروسيا وباقي شركائها من الدول الضعيفة أو النامية، قائمة على منطق رابح رابح، وهو ما يبينه حجم البنى التحتية من مطارات ومرافئ وطرق سريعة شيدتها الصين في دول جنوب الصحراء الأفريقية، مثلا، في حين ظلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وإسبانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها من القوى الاستعمارية، تستغل هذه الشعوب وتخرب أراضيهم بحفر المناجم العشوائية دون إنشاء صناعات تحويلية محلية، فإن الغرب، خاصة الاتحاد الأوروبي وأميركا، يرى اليوم أن روسيا دولة فاشية، ليس لاجتياحها الأراضي الأوكرانية التي تحولت منذ سقوط الاتحاد السوفيتي إلى أرض عسكرية للغرب، وفرضت فيها مظاهر الشذوذ الجنسي والاسترقاق وتجارة الأجساد والجنس، ودعم النظام الغربي الصهيوني الجمعيات النسوية المتشددة والمثلية والأحزاب الليبرالية المعادية للقيم، لتغيير ثقافة هذا المجتمع السوفيتي المحافظ، وإنما جعل روسيا دولة فاشية، سببه إدراك الغرب للخطر المتمثل في سلب روسيا لامتيازاته التي تحظى بها شركاته متعددة الجنسيات أو متعددة الاستيطان، في دول العالم الثالث والبلدان الصاعدة، دون ضغوط أو قواعد عسكرية أو غزو، ولكن كما قلنا بمنطق الربح المتبادل. فروسيا والصين لا تفرضان شروطا مجحفة على شركائهما ولا تطالبهم بتغيير ثقافات شعوبهم، أو لغاتهم المحلية والوطنية، أو تلزمهم بتبني القيم الغربية المنحلة، والتي فرضت على هذه الشعوب لإخضاعها له.
عندما نؤيد روسيا في عمليتها العسكرية، فهذا لا يعني بالضرورة أننا نستمتع بمشاهد الدمار ومآسي الأبرياء وموجات اللجوء، وإذا كانت هذه المظاهر مؤلمة، فإن حرب الغرب قائمة سواء وقع الاجتياح أم لم يقع، والعملية الروسية، ليست رد فعل حماسي متسرع كما يحاولون الترويج له، وإنما هذا التحرك جاء بعد سلسلة من التضييقات على التجارة الروسية وعلى تمددها المشروع، بهدف إبقاء العالم أحادي القطب وضمن توجه متحكم فيه من دول الغرب القوية، فعندما هاجم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه بمؤتمر ميونيخ في ٢٠٠٧ بشدة الغرب، واعتبر أن النموذج الأحادي القطب لم يعد له مكان في العالم المعاصر، وحذر من استمرار تمدد حلف الناتو صوب حدود روسيا على الرغم من الوعود التي قدمها الحلف لموسكو في أوائل التسعينات، لم يقف الغرب جامدا، وقد تعهد الناتو بعد ذلك، بمنح جورجيا وأوكرانيا العضوية فيه، بعد اندلاع النزاع في أوستيا الجنوبية في أول مواجهة عسكرية. كما سارع إلى دعم الهجوم خلال الحرب الجورجية على عاصمة أوستيا الجنوبية. لتزيد الحرب في ليبيا تعميق الخلاف الروسي الغربي، حين هاجم بوتين قرار مجلس الأمن الدولي الذي سمح بتدخل الغرب في ليبيا، لتأتي القضية السورية، عام 2012، لتبدد نهائياً أي أمل في حدوث تقارب بين موسكو والعواصم الغربية، ولحد اليوم لازالت موسكو تتشبث باتهامها كييف بعدم تطبيق أي من بنود اتفاقية مينسك الموقعة في 2014 لوضع حد للنزاع في دونباس.
إن منطق الحرب واحد لم يتغير منذ القدم، وعندما تفرض شروط الحرب وتتحقق مسبباتها، فلا يمكن أن نلوم طرفا على بدأه هذه الحرب، بقدر ما يجب أن نبحث، أولا، عن العوامل والأسباب ثم المتسببين أو المتدخلين. والغرب الاستعماري أحال أوكرانيا إلى جبهة ضد جزء من العالم الشرقي، في إطار مخططاته الهادفة لتغيير الجغرافيا الترابية و”الجغرافيا السياسية” لمناطق العالم، كما خطط لتحويل أفغانستان وشمال العراق إلى جبهات عسكرية تابعة له ضد الدول الإسلامية والعربية، ودعمه هونغ كونغ ضد الصين لا يخرج عن مبدأه في خلق عوامل الفوضى، لهذا نقول أن العملية الروسية في أوكرانيا، ليست مجرد اجتياح لبلد أضعف، وإنما هي حرب روسية ضد الغرب، ومنطق المصلحة يفرض علينا تأييد الجانب الروسي، لأنه يمثل الشرق المحافظ والعريق والمظلوم، بثقافاته الأصيلة، وداياناته السماوية التاريخية، والإسلام هو جزء لا يتجزأ من المجتمع الروسي لأكثر من ألف عام، وهزيمة الغرب هي الأمل لقيام نهضة شرقية وتحرر كامل وتام لدول أفريقيا والقارة الأميركية والعالم الثالث، والفكاك من أغلال الغرب ونهاية الفتن التي صنعها هذا التحالف الاستعماري، وإسقاط كل مخططات التقسيم والتجزئة، أما انتصار الغرب فهو انتصار لمعايير التحرر من الأخلاق والالتزامات والانحلال، أو بمعنى أدق مزيد من هيمنة قيم الفساد والخضوع والتخلي عن السيادة وعن الكرامة، ومزيد من الإذعان للابتزاز، وتجييش الأقليات الثقافية المتطرفة، وافتعال الطائفية والعرقية، كما فعلوا في دول المشرق والمغرب العربيين، واجتزاء أراضي من هذه الدولة لصالح جارتها، كما حدث خلال الاستعمار وبعده، وطمس معالم الحدود لخلق صراعات بين الجيران، كما فعلوا منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية، وخلال حقبة الاستعمار الأوروبي، وبعدها، وأثناء الحرب الباردة.
معسكر الغرب يتجهز لحرب أكبر، إن قامت فلن تقف عند حد معين، ولن يكون أحد قادر على توقع نتائجها، بيد أن القوى الغربية، يظهر جليا مدى خوفها من التورط في صراع قد يتحول إلى حرب نووية، وهو صراع إذا اندلع فلن تكون روسيا الطرف الوحيد فيه التي ستواجه القوى الغربية، لأن النزاع والتنافس حول الريادة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحماية الأمن القومي والمصالح التجارية، سيدفع القوى المؤثرة المتضررة من الغرب، بما فيها الصين وإيران، إلى التحالف مع الروس لوقف أي استقواء له في آسيا، وبذلك فإن انتصار الغرب سيكرس مزيداً من الهيمنة في كافة المجالات، وأكثر المتضررين منه، ستكون هي الدول الصاعدة والمتأخرة، في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والجنوبية.
التنافس حول القارة الأفريقية، بين الصين وروسيا، من جهة، والغرب ممثلا في القوى الأوروبية والولايات المتحدة فضلا عن إسرائيل، ليس خافيا عن أحد، فأفريقيا هي مستقبل المواد الخام والثروات الباطنية، كما أنها سوق سريعة التحول وواعدة. وانتصار القوى الغربية في هذا الصراع الإقليمي الدولي المحتمل، لن يقود سوى إلى مزيد من فرض السيطرة على هذه القارة والتحكم فيها وعسكرتها، ونهب ثرواتها، ولكن هزيمة الغرب، ستعيد إحياء حركات التحرر التي شهدها العالم عشية نهاية الحرب العالمية الثانية، وسيقود شعوب القارة التي تمعن الإعلام الغربي في تصويرها على أنها موطن للأمية والجهل، إلى الانتفاض والتحرر، وإلى تمرد الجنود و”الضباط الأحرار”، والحركة التي قام بها ضباط مالي ضد المحتل الفرنسي مؤخرا، ما هي إلا نموذج مصغر لحجم الوعي بعدم جدوى المهادنة مع قوى الاستعمار الجديد، هذا الوعي الذي يحاول الإعلام الغربي حجبه وتحجيمه والتعتيم عليه، وهو ما يخشاه الغرب، فهزيمته أمام الروس وحلفائهم في أي حرب إقليمية محتملة، سيقود إلى انتفاض قارة بأكملها، إلى جانب تنامي النزعة القومية في كثير من الدول الخاضعة لسيادة بعض الدول الغربية، كبلدان ما يعرف بـ”ما وراء البحار” وخطر جموح النزعة التحررية من هيمنة الاتحاد الأوروبي على شعوب ودول غرب أوروبا التي لم تستفد من العضوية في هذا التجمع التجاري، سوى التضخم في الأسعار وزيادة تدفق اللاجئين نظرا للحدود المفتوحة. إن الغرب عندما يتوحد ضد روسيا ويجيش قدراته العسكرية والمالية، فذلك لأن مصيره بات رهين نتائج هذه الحرب، وهزيمته – وهي الأكثر ترجيحا – لن تحمل النصر لروسيا والصين وحتى إيران، فقط، وإنما هي تحرر لشعوب الأرض المهزومة التي ستتحرك لإحقاق حريتها وتحطيم قيود هيمنة الغرب الاستعماري وفرض سيادتها.