في الذاكرة 18 مارس/ محمد فال بلال
يصادف 18 مارس من كل عام تاريخ زيارة عمل قام بها الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطائع – حفظه الله – 2004 للمملكة المغربيه الشقيقة. وكانت علامة مميزة في العلاقات بين البلدين. أذكر أنه قبل الزيارة بشهرين أو ثلاثة، كان من لطف ومهارة البروتوكول المغربي أن أبلغنا استعداد جلالة الملك محمد السادس لاستقبال الرئيس في أي مدينة من المملكة يختارها لبدء الزيارة منها. ويُعتبر مثل هذا العرض في الأعراف الدبلوماسية رسالة تقدير سامية وترحيب حار بالوفد الزائر.
واختار الرئيس أن يبدأ الزيارة من مدينة طنجة. أسم أسطوري لمدينة حباها الله بأرض وسماء وطقس وموقع جغرافي واستراتيجي استثنائي سمح لها بأن تكون أكبر ميناء في أفريقيا، ووجهة سياحية فريدة تجعلك تستطيع السباحة في المحيط الأطلسي صباحا وفي البحر الأبيض المتوسط بعد الظهر من نفس اليوم. والأهم من ذلك، والذي جعل فخامة الرئيس يختارها – في تقديري – كونها تعيش منذ عدة سنوات انتعاشا ثقافيا واقتصاديا وعمرانيا غير مسبوق. كنا نسمع من مصادر متعددة أن الشمال المغربي الذي طالما جفاه الملك الحسن الثاني رحمه الله، قد استفاد كثيرا من صالح وعناية ابنه وخليفته الملك محمد السادس. ويتحدث الناس في الشارع المغربي عن “جيل محمد السادس” لوصف الصحوة التنموية والعمرانية التي شهدتها المنطقة الشمالية.
غادرنا مطار نواكشوط على متن رحلة خاصة للخطوط الجوية الموريتانية صباح يوم 18 مارس 2004. وكان الرئيس جالسا في الدرجة الأولى. ومن وقت لآخر يدعو أحد أعضاء الوفد لجلسة عمل. وكالعادة كانت الرحلة جميلة، والطاقم رائع، والخدمات ممتازة. حطت بنا الطائرة حوالي الساعة 12 زوالا على مدرج مطار ابن بطوطة. وعندما فتح الباب، كان المشهد مهيبًا.. سلاح الفرسان المغربي يرتدون زيهم الأحمر الرسمي و سيوفهم متدلية.. والملك يتقدم لاستقبال الرئيس.
وعند الخروج من دائرة المطار، أذهلني الحشد الهائل على جنبات الطريق ودفء الترحيب. وفي داخل القصر الملكي، كان كل شيء يتنفس عبق الثقافة والتاريخ. كان كل شيء فخما دون بهرجة، وجميلا دون أن يبدو “مصطنعا” أو “مفبركا” للطمس على أعيُن الضيوف مثل ما نشاهده في بلدان أخرى من “طلاء” و”لفش” و”تلفيق” و”تزييف” بمناسبة الزيارات الرسمية .. وذلك موضوع آخر.
ومن حسن الصدف أن سمحت لنا تلك الزيارة بتوقيتها ومكانها استذكار محطات مضيئة في تاريخ شعوبنا ومنطقتنا. أما التوقيت – 18 مارس – فجعلنا نستحضر ونعيش بطولات الشعب الجزائري الشقيق وانتصار ثورته العظيمة يوم 18 مارس 1962 بتوقيع اتفاقيات “إيفيان” الفرنسية. وأما المكان – مدينة طنجة – فجعلنا نستنشق عبق التاريخ والأمل في حديثنا عن “مؤتمر طنجة 1958” الذي طرح فكرة بناء “اتحاد المغرب العربي الكبير” بعد إعلان إخوتنا شرقا عن تأسيس “الجمهورية العربية المتحدة” في القاهرة، يناير من نفس العام… ولا شيء أجمل من الاستماع إلى القادة وهم يتحدثون عن هذه المواضيع خارج التغطية، على مائدة عشاء ودي ومُريح … كنت طيلة الزيارة في نزهة ممتعة بين الماضي والحاضر، وخرجت بجملة من الانطباعات تجدونها في مذكراتي .. إذا ما شاء الله كتابتها.