الديمقراطية ثقب مرضي بين السمو والانحدار/ المرتضى محمد أشفاق
باختصار… الديمقراطية وجع خلقي تسور محراب ممانعتنا، وأحدث ثقبا في الجدار العازل بين السمو والانحدار..تصاعد بخار الموائد المعدة على حطام الشرف المذبوح، وطغت على المشهد الأفواه المفتوحة، والأكف الممدودة تستجدي أفضال الأضناء، وما أقسى أن يستدر الكرام رحمة البخلاء…الديمقراطية محنة قيم، ومحرقة شيم، دخلت بيوتنا في غفلة منا، وأصابتنا قصدا في مقاتل عقدنا الاجتماعي الجامع، ففككت المرتبط، ومزقت المتصل، وحطمت ما استعصى على الزمن وعواديه من ثوابتنا…
ومن أخطر مظاهر التردي والانقلاب الخلقي والبنيوي في هذه الأرض أسراب من الصبايا ينحدرن صبَبًا من كل حلة وملة، غير مسرفات في احتشام، محرِّضات لا على نبذ هوان، أو دك حصون على طغيان، تؤازرهن كتائب من مراهقين لا يبرؤون من تفاهة، يتوقدون جوعا لتعنيف كبير، وتسفيه حليم، يثيرون الشغب كلما آنسوا من عبث الدهماء صحوا أو عافية، ولو رأيت مُوار الساحات أيام الاقتراعات بهذا اللجاج المختلط، المتواصل حتى بعد أن تتثاءب النجوم، وتسدل عليها أسترة الهزيع، وتستلقي في ركن خفي من دهمة السماء، لأدركت أن الليالي حبلى بأمر خطير…
وما زال الناس في بلادنا يعيشون ذلك القحط الخلقي كلما صاح في الأرض ناعب من مواسم الشر..أليست المواسم السياسية أياما من أيام الشيطان تستباح فيها الأعراض؟ وتسفك فيها دماء الفضيلة؟ وتقطع فيها الأرحام؟ وتتحول فيها القرى والمدن إلى أودية يتصارع فيها الساقطون على السقط والتافه؟ ألم يرم الناس إخوانهم بصنوف الفجور اللفظي، ويذيقوهم من منكرات الجفاء، والمقت ما لا يترك فيهم فضل مروءة تنبئهم بانتماء لمشترك عرفوه ذات يوم؟! سيقول لاحقهم في قابل الليالي حين يمر على الديار وقد اقشعرت ورعي هشيمها لقد كانت هنا مرة أخلاق.. ولم يعرف الناس سلاحا أفتك بشرف من طمع، ولا أسفك منه لدم سكينة ووقار، ولا أشد منه تدميرا لكيان.. مواسم السياسية مواسم قبح وجنون، تتربح فيها الضمائر النحيلة، ويرتفع فيه تهريج تجار المواقف، ونقيق ديكة الأعراف الدامية تتصارع على الحشف المثقوب يرميه البخلاء المتخمون علفا للتافهين.. السياسة زعزع، هذمت اللذات، وفرقت الأحبة، وحولت الثوابت إلى قبر مجهول نطؤه في كل مأتم بأرجل الاحتقار والعقوق والامتهان…فليضرب الموتورون المفجعون في منكب آخر من الأرض، حتى لا يكونوا شهودا على قيام مملكة الزمن الرديء…