ما هو وجهُ الشّبه بين الدبلوماسية المغربية ونظيرتها الجزائرية؟/ عبد السلام بنعيسى
24 مارس 2022، 03:01 صباحًا
استقبل الإعلام الرسمي المغربي بحفاوةٍ بالغةٍ قبول إسبانيا المبادرة المغربية للحكم الذاتي، ووصْفِها من طرف رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، بالأساس “الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” المتعلق بالصحراء المغربية. فلقد نوهت وسائل الإعلام المغربية بهذا التغيير الذي حدث في الموقف الإسباني، واعتبرته إنجازا كبيرا حققته الدبلوماسية المغربية لفائدة قضية المغاربة الأولى المتمثلة في حفاظهم على وحدتهم الترابية، وتمَّ وسمه بالهزيمة الكبرى التي مُنيت بها الدبلوماسية الجزائرية…
إذا كان الأمر كذلك، فإنه يعني أن المغرب كان، قبل هذا الاعتراف الإسباني بأهمية مبادرة الحكم الذاتي، في قلب هزيمة عظمى، فلماذا إذن لم تكن وسائل إعلام المغرب تتحدث عن ذلك؟ لماذا ظلت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين، عادية وطبيعية، على امتداد أكثر من 15 سنة، أي منذ سنة 2007 تاريخ إعلان المغرب عن مبادرة الحكم الذاتي التي لم تبادر إسبانيا للقبول بها لحظة الإعلان عنها، كمبادرة جدية، وواقعية، وذات مصداقية؟
لماذا انتظار هذه السنين المديدة كلها لكي تُعلن، مدريد، اليوم فقط، عن موقفها الحالي من المبادرة إياها؟ ألم يكن هناك تقصير من الدبلوماسية المغربية عن هذا التأخير؟؟ أليس هذا زمنا طويلا أهدرته الدبلوماسية المغربية، حين لم تتحرك بفعالية، وتضغط، في وقتٍ سابقٍ، على الإسبان، وتستعمل الوسائل التي في حوزة المغرب لإلزامهم بالإنصات إلى مطالبه، واتخاذ الموقف المنصف تجاه أقاليمه الصحراوية؟؟ ثم ما الذي استجد حتى جعل مدريد تُغيِّرُ فجأة موقفها، وتقبل بمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية وتدعمها؟
لم يقرأ الإسبان كتابا جديدا تم نشره حول الموضوع، وتبيَّنوا من خلال المواد المتضمنة فيه أن مبادرة الحكم الذاتي تصلح إطارا لحلِّ الأزمة المفتعلة في الأقاليم الصحراوية، فالإسبان يعرفون ملف القضية، في كامل تفاصيلها، لأنهم كانوا القوة الاستعمارية المحتلة لتلك المنطقة، كما أن الأمر ليس له علاقة بشعور طرأ على الإسبان يقضي منهم باحترام حق المغاربة في أرضهم التاريخية…
يبدو أنه بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ولكي يكون لهم نصيبهم في ثروات المنطقة، فإنهم وتحت الضغط الأمريكي، وبعد التفاوض مع المغرب، حصلوا على ما كانوا يطالبون به من المغرب، فقرروا الخروج من دائرة التردد، لمسايرة الاتجاه الذي تمضي فيه الريح، وبادروا، هم كذلك، للاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي والتنويه بها، تأمينا لمصالحهم المتعددة مع المغاربة، فإسبانيا باتت، من زمان، هي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، وتستفيد من خيراته، سواء كانت أراض فلاحية شاسعة، وُهبت للمستثمرين الإسبان يفلحونها ويزرعونها، ويصدرون منها، لأوروبا، أثمن وأغلى المواد الفلاحية، أو الأساطيل الإسبانية التي تصطاد في المياه الإقليمية المغربية، حيث تعتبر هي المستفيد الأول من الثروة السمكية المغربية..
ولذلك فإنه لا ينبغي للمسؤولين المغاربة الاكتفاء من الإسبان بقبولهم، فحسب، مبادرة الحكم الذاتي، ترتكب الدبلوماسية المغربية خطأ فادحا حين تكتفي من الإسبان بهذا الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي، يتعين على وزارة الخارجية المغربية أن تستحث إسبانيا، ومعها فرنسا، وألمانيا وبريطانيا… على العمل في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أجل طي صفحة هذه الأزمة التي طالت أكثر من اللازم، فبإمكان أوروبا ومعها أمريكا، وبالتنسيق مع روسيا والصين، استصدار قرار في مجلس الأمن يجيز للمغرب تطبيق مبادرته للحكم الذاتي، وإلزام باقي الأطراف بها، وأن تقع تحت التهديد، بفرض عقوبات عليها، كل جهة تسعى لعرقلة تنفيذ المبادرة المذكورة.
لا يُمثِّلُ الاعترافُ بمبادرة الحكم الذاتي غاية في حد ذاته، فحين عرضها المغرب، فليس للقبول بها وكفى، مباردة الحكم الذاتي يتعين تزكيتُها وتفعيلُها، ويتعين على كل من يقبل بهذه المبادرة أن يعمل من أجل تطبيقها، لإنهاء هذا المشكل، وركنه في الزاوية، بما يتيح للمغرب، ولجيرانه، التفرغ للعمل من أجل إنجاز تنميتهم المنشودة…
إذا اكتفت مدريد، ومعها، واشنطن، وباريس، ولندن، وبرلين بالتعبير اللفظي عن أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية مبادرة جادة وذات مصداقية، دون الإقدام على خطوات عملية لتنفيذها وإدخالها حيز التطبيق، فإن قولهم هذا يصبح قولا، لا مفعول له، يبدو وكأنه قول بلا جدوى ولا مردودية، ولذلك فإن التهليل لهذا الموقف، ليس تصرفا حكيما، فمن يقول لك، إن مبادرة الحكم الذاتي جادة وذات مصداقية، ولا يحرك ساكنا من أجل بلورتها في قرارات أممية تنفيذية، فإنه كمن يُقدّمُ لك شيكا بلا رصيد، إذ بإمكانه أن يبادر، في أي لحظة، للتراجع عن تأييده للمبادرة، وأن يفسر ما يقوله اليوم، تفسيرا مغايرا غدا..
هذا الابتهاج الذي يبديه المغرب بالموقف الإسباني الجديد يبدو ابتهاجا بلا أساس قوي ومتين، فالدبلوماسية المغربية كانت تبحث عما تسميه نصرا تقدمه للمغاربة، وحين جاءها هذا الموقف الإسباني فإنها ابتهلته ووظفته جيدا للترويج لكونها أفلحت في تحقيق إنجازٍ باهرٍ، فرغم أهمية التغيير الحاصل في مواقف بعض العواصم الغربية، فإن مشكل الصحراء لا يزال على حاله، ولم يتقدم خطوات حاسمة في طريق الحل النهائي بما يضمن وحدة المغرب الترابية… ولذلك يبدو ابتهاج الخارجية المغربية بموقف إسبانيا الجديد، ابتهاجا مفارقا للواقع، ومتعاليا عنه، ومتناقضا معه.
ونفس الأمر ينطبق على الدبلوماسية الجزائرية، فرغم أن الجزائر تعتبر نفسها طرفا غير معني بالنزاع في الأقاليم الصحراوية، وبأنها بريئة منه، فإنها، في موقفٍ متعارضٍ مع ما تُعلنُ عنه، احتجت على الموقف الإسباني الجديد، وانتقدته، ودعت سفيرها في مدريد للتشاور، ففي مفارقة صارخة، لم تحتج ولم تستدع الخارجية الجزائرية سفراءها في دول الخليج، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ألمانيا، حين قامت هذه الدول بالإعلان عن تأييدها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كما تفعل حاليا مع إسبانيا، أليس في تصرف الدبلوماسية الجزائرية هذا ما يدعو للاستغراب، أليس تصرفا متناقضا؟؟؟؟
لا يمكن لعاقل مغربي أن يحتفل بانتصار يحققه على شقيقه الجزائري، ولا يمكن لجزائري ناضجٍ أن يفرح بهزيمة ألحقها بشقيقه المغربي. فانتصارُ طرفٍ على آخر، والتبجح بذلك، سيخلّفُ ندوبا في مشاعر الطرف المنهزم، وسيظل هذا الشعور السلبي مكبوتا وحاضرا في النفوس، وقد ينفجر في أي لحظة لرد الاعتبار أو للانتقام، وسيكون بمثابة قنبلة تهدد بالانفجار في الطرفين في المستقبل. الانتصار الفعلي، بالنسبة للشعبين معا، يكمن في التفاهم بينهما لطي خلافاتهما، والانكباب على ما يوحدهما، ويُمكّنهما من بناء اقتصادٍ مشتركٍ، ومتكاملٍ، يخرجهما من الأزمات الطاحنة التي يتخبطان فيها…