إلتقيت شيخا إفريقيّا صوفيّا يفهم السّياسة ويتابعها … قال : إلتقيت بآية اللّه الخمينى فى النجف بالعراق فى السّبعينات وحينها لم تكن تبدو على محيّاه علامات النّبوغ والتميّز … تمّ اللّقاء لان الخمينى مهتمّ جدّا بإفريقيا … سألته عن كتبه ففاجأنى بأنّها كتيبات قليلة العدد وبسيطة لا ترتقى الى مستوى الفكر وقريبة جدا من الخواطر الشخصيّة حول الإسلام المذهبى..
دفعنى كلام الشيخ الى اللّجوء للنّات فوجدت للخمينى كتابات قليلة لا ترتقى الى مستوى الفكر… كتب عديدة كتبت عنه وهو لم يكتب إلاّ القليل … وأغلب ما كتب عنه كتابات متملّقة تريد تحميل فكر الخمينى ما لا يتحمّل.
السؤال : كيف أصبح الخمينى “رجل امبراطريّة” متجاوزا فى طموحه رجل الدّولة فى وقت يندر فيه أن تجد عندنا نحن العرب رجل دولة؟
قوّة الخمينى فى شخصيته … نبوغه فى سلوكه … عرف كيف يصنع هيبة لنفسه … من الكلام الى الهيأة مرورا بالتصرّف اليومى العادى التّلقائى او المتصنّع.
الخمينى يحرص دائما على الظهور بمظهر الزاهد المتعاطف والناصر للمستضعفين فى الأرض.
الخمينى لا يتردّد فى اعطاء التعليمات بالقتل والإعدام والسجن والبطش بكلّ معارض ومهدّد لسلطته.
للخمينى محاولات شعرية تعكس حسّا إيمانيّا مرهفا.
الخمينى صاحب فكرة : المسجد ـ البازار ـ الثكنة (الحرس الثورى) … بذلك كسب الشخصيّة الدينية الصّلبة والاقتصاد المحلّى الفاعل والقوّة العسكريّة الحامية لهما.
نجح فى قيادة مشروع امبراطريّة لم تسقط رغم الحروب والمشاكل الداخليّة.
الرئيس أحمد نجاد كان له الفضل فى النّقلة النوعية للدولة حدّ الخشية منه وإبعاده.
خطئ الخمينى القاتل انه تبنّى فكرة امبراطريّة قوميّة توسّعيّة وسط قوميات قويّة لن تستسلم لاطماعه وستكون سببا فى سقوط هذا الحلم الثأرى المسقط للتاريخ بدل البناء عليه بإضافة تتجاوزه ولا تلغيه… وهذا خطئ تركيا الآن والذى سينهكها كثيرا هذا التّوجّه دون إسقاطها وتفتيتها عكس إيران القابلة للتقسيم نتيجة تعدّد قومياتها المضطهدة.
الخمينى “ظاهرة” لا يمكن البناء عليها.
الحضارة التى تبنى على العداء لا تدوم طويلا.
أوردغان … وبعد
كثيرا ما أتابع خطابات أوردغان فى القناة التركيّة بالعربية وأركّز خاصة على محتوى الكلام وطريقة الخطاب.
أوردغان يخطب دائما واقفا.
أوردغان كثير الحركة والمشي على المنصّة.
أوردغان يستعمل الأمر فى خطاباته بشخصية قيادية متمكّنة.
أوردغان حريص على الرفع من معنوياته شعبه بقدرته الكبيرة على اختيار الكلام المنقّى من تاريخ تركيا.
أودغان رئيس يحترم جمهوره ويسعى لحمله معه الى حيث يريد.
قوّة أوردغان انه ركّز على الإقتصاد والعمل والانتاج بعقليّة المهندس والمقاول فى نفس الوقت.
أوردغان لا ينتقد أبدا أتاتورك وترك صوره معلّقة فى مكاتب السيادة … رجل يحترم التاريخ.
قوّة أوردغان تكمن فى حسن إستثماره فى الجانب الفنّى الجمالى فى الاسلام من خلال حرصه على أناقة الخطاب من الآذان الى الخطبة الى ديكور المساجد ونظافتها مرورا بتعظيم الشعائر واحيائها …. الزائر هناك يحس برهبة وعظمة وتواصل مع الماضى القديم والمستقبل المأمول.
تركيا التى بها كل انواع الفسوق من جنس وخمر وشذوذ وملاهى تحت حراسة الدولة.
تركيا التى يرفرف فيها علم “اسرائيل” وتعاونها الاقتصادى مع الصهاينة بلغ مستوى متقدّما جدا … إسألوا فلسطينيو القدس عن عدد الزوار الأتراك الذين ينزلون يوميّا بفلسطين المحتلّة.
تركيا التى بها ميئات الآلاف من المساجين ومن الذين أطردوا من عملهم والمتابعون اداريّا من الاكراد وجماعة غولن والجيش واليسار وجماعات مختلفة.
قوّة اوردغان أنه استطاع تغطية مساوئه بمحاسنه… وسط شعب يحب الحياة ويعشق الليرة والدولار … ويريد الدّخول الى “الجنّة” بأخف الأضرار.
أكيد أنصار أوردغان العرب تسائلوا عدّة مرات : لماذا قياداتنا المباشرة ليست كأوردوغان؟
أوردغان سيسقط ديموقراطيّا وسط ليرة تترنّح وجيش منهك ومهان.
والسبب الاخوان العرب.
لماذا؟
الأخوان العرب هم من ورّط أوردغان فى حرب مدمّرة فى سوريا ضحاياها ميئات الآلاف من الاطفال والنساء والشيوخ بلا ذنب فى مجزرة ستلاحق تركيا عبر التاريخ ملاحقة ابادة الارمن.
الحرب فى سوريا انهكت اقتصاد تركيا واقتصاد دول الربيع العربي خاصة ليبيا باعتبار الاموال التى نهبت منها وحوّلت لها.
يسقط اوردغان فى فخ الخمينى التوسّعى وسط قوميات قوية قد تنهك وقد تنهزم لكنها لا تستسلم تمهيدا لانتصار…. اقرؤوا التاريخ.
السؤال المهم : لماذا يرفع عددا من الشباب العربى صور الخمينى وصور اوردغان ولا يرفعون صور شيوخهم ورؤساء احزابهم وحكّام دولهم؟
لان قياداتهم سخيفة وسطحية وتافهة وتتراوح بين الاستحمار والاستبغال.
لا برنامج ولا خطاب ولا مظهر ولا احترام ولا قدرات ولا كاريزما ولا هدف ولا ولا.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا … ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك و لا يرحمنا … ولا يحترمنا.