بين “العبثية” و”المانوية” / المصطفى ولد اگليب
التقيت بشاب يميل إلى الإلحاد يعتبر هذه الحياة عبثا ، لا طائل من ورائها ، مأساة لا خير فيها ، وتكرر لقاؤنا ، ومع ذلك فهو مقبل على الدنيا ، يسعى جاهدا إلى التمتع بأطاييبها .فقلت له : يافلان ، إن سلوكك يخالف اعتقادك ، قال كيف ذلك ؟فقلت : إنك لا تؤمن بإله _ كما يفهم من كلامك _ ، ولابجنة ولا نار ، وتعتبر الدنيا مأساة وشرا كلها ، فلماذا أنت مقبل عليها حريص على البقاء فيها ؟فقال : كذلك هو حال المؤمنين بوجود إله فهم يرتكبون الفواحش. فقلت : نعم يفعل بعضهم ذلك أحيانا ، ولكنهم يندمون ويتوبون وتلك علامة على أنهم يدركون مدى التناقض الذي يقعون فيه .أما أنت فترى الدنيا شرا ومأساة ولا تريد فراقها أو الإعراض عنها .
لقد كان موقف ماني بن فاتك أكثر انسجاما من موقفك هذا ، فقال من هو ماني ؟ قلت رجل من فارس ادعى النبوة وآمن بأن هذا العالم شر كله وأن الجسد موطن الشهوات والرغبات ولا خير فيه ، داعيا اتباعه إلى الاعراض عن الدنيا وعدم انجاب الأبناء ، لكي لا يأتوا بهم إلى عالم الشر هذا . وقد تبعه خلق كثير خصوصا من الشباب فأثر ذلك على قوة الدولة الفارسية وهي دولة محاربة ، تحارب الدولة الرومانية عدوها اللدود .فأرسل إليه كسرى مع كثير من اتباعه ، وقال له : لقد بلغني ياماني أنك تعتبر عالمنا هذا شر كله فقال ماني نعم وبلغني أنك ترى أن النفس من عالم كله بهاء و وسناء . فقال نعم فقال سأعجل بك إذن إلى عالم الخير ذاك وتترك لنا عالم الشر هذا ، فسكت ماني ولم يجب فقال له كسرى هل يدل على أنك تريد البقاء في عالمنا عالم الشر ؟ فواصل ماني سكوته .فقال كسرى : افصلوا رأس ماني عن جسده لكي يعود إلى عالم الخير ويترك لنا عالم الشر .
قلت له إن موقف ماني كان منسجما مع اعتقاده ، فقال الشاب : هل ستعاملني كما عامل كسرى ماني ؟فقلت يمنعني من ذلك أمران ، قال ما هما ؟فقلت : الأول أنني لا أملك سلطة كسرى ، والثاني أن الرأي يتغير ويتبدل وإني لأرجو أن تغير رأيك وتعود إلى رشدك ودين الفطرة . ثم سكت وسكت بدوري .