خواطر بَيْدونْ…/ أحمدفال امحمد آبه
يا لسعادتي.. يبدو هذا أفضل يوم في مسيرتي .. ليتني أستطيع أن أقص خبر هذا اليوم على أحفادي .. ولكن هل لنا معشر “لبادين” من أحفاد؟ يبدو أنني أهذي .. هذا طبيعي، فأنا اليوم أكثر من مجرد “بيدون” خمسة لترات من زيت الطهي.. إنني “إنجاز” غير مسبوق.. أجل، هو كذلك..
عندما صاح ربان السفينة التي أقلتنا من بلدنا الأصلي قائلا: لقد وصلنا إلى نواكشوط، همس في أذني “بيدون” عشرة لترات قائلا: هل سمعت شيئا عن هذه المدينة من قبل؟ فقلت له : لا.. فحرك “منكبيه” وقال : اسمع مني إذن .. هنا ستوضع في مخازن بلا تهوية، في أفضل أحوالك، أو تعرض تحت أشعة الشمس الحارقة في “شارع الرزق”، إلى أن يأتي المستهلك الذي ستكون من نصيبه، وقد يطول بك المقام أو يقصر قبل تلك اللحظة..
وعندما “يفرق” الزيت الذي تحوي، ستلقى في الشارع، ليلعب بك الأطفال، وتدوسك أقدام الحمير دون رحمة.. أما إذا كنت محظوظا، ووقعت في يد “محسن” فإنه س “يُجلدك” ويحولك إلى سقاء، أو وعاء للبن ، وربما ملأك دهنا أو “آدلكانا” إن كان من أهل البادية.. هذه باختصار يا عزيزي هي “دورة حياتنا” معشر “لبادين” في هذه البلاد..
يبدو لي اليوم أن كلام ذلك “البيدون”، سامحه الله، لم يكن دقيقا جدا، أو أنني كنت أكثر حظا من غيري من بني “كاوتشايتي”، وليتني قابلته الآن لأريه “العز” الذي أنا فيه..
ها أنذا يحملني مسؤول كبير في الحكومة بيديه “الشريفتين”، دون خوف من أن “يتَدسم” لباسه، و معالي الوزيرة تبتسم لي، وتنظر إلي بسرور.. ورجال الدرك والحرس وكبار المسؤولين في الوزارة يحيطون بي من كل جانب ، وأصوات أجهزة التصوير تكاد تصم أذني، و”النيماشة” يتدافعون للاقتراب مني .. هل أنا حقا مجرد “بيدون أصفر من دلوير “؟ .. لا لا.. حتما لست كذلك، أو على الأقل في هذا اليوم.. أنا الآن جزء من “برنامج وتعهدات” الحكومة ، وأفتخر بذلك .. سأعمل من اليوم لتشكيل “حركة” سياسية لمناهضة “الإهانة” التي يتعرض لها “لبادين” في موريتانيا، وسأسميها : “بيدون وأفتخر”، للدفاع عن حقوق “لبادين”..
أنا لا أعرف ما هو شعور هذه السيدة التي تسلمتني من المسؤول الحكومي، لكن ملامحها تشي بشيء ما. أتمنى أن أوفق في “إسعادها”، ولو أياما معدودة، كما أتمنى أن لا “تنفض” الحكومة يديها منها، وتنساها، كما سينفض هذا المسؤول يده و”يمسحها بمنديل” عقب مغادرته لهذا المكان بلحظات..