دخول المذهب الأشعري إلى موريتانيا/ سعدن أحمدو
يابعد انحسار الوجود الفعلي لمذاهب الشيعة والإباضية والصفرية في بلاد شنقيط، عرفت موريتانيا مذهبا عقديا جديدا تمثل في مذهب أهل السنة والجماعة الأشعري.وكانت النواة الأولى له مع بداية عهد المرابطين ونشأتهم، وبالتحديد عقيب رحلة إبراهيم بن يحيى الگدالي المعروفة بغية الحج وزيارة منام رسول الله صلى الله عليه وسلم.في طريق عودته مر يحيى بن إبراهيم بالقيروان، وهناك التقى بفقيهها آنذاك أبي عمران الفاسي، الذي كان مالكي الفقه أشعري المعتقد.استهوت يحيى طريقة تدريس أبي عمران وتمكنه من العلوم وزمام توصيلها للطالب، فطلب منه أن يبعث معه معلما إلى صحراء الملثمين التي على ما يبدو كانت تصارع لنزع ثوب المذهب الإباضي، ولما تتخل عنه بالكلية بعد.أرسل أبو عمران إلى تلميذه وجاج بن زلو اللمطي في بلاد سوس، وحثه على تلبية طلب يحيى الگدالي، فأرسل وجاج عبد الله بن ياسين للقيام بالمهمة.دخل ابن ياسين الصحراء مع يحيى بن إبراهيم، معلما ومربيا، وجرت له أمور يذكر تفاصيلها المؤرخون، وتقصر هذه العجالة عن إيرادها.فهل بهذا يكون المذهب الأشعري قد وضع أولى لبناته في بلاد التكرور؟إذا كان أبو عمران الفاسي أشعريا، فهل يعني ذلك أن عبد الله بن ياسين أشعري أيضا؟وعلى افتراض أنه أشعري، فهل جاء فعلا لترسيخ مبادئ المذهب السني الأشعري بين سكان الصحراء؟نعم يمكن افتراض ذلك بنوع من الحذر، وهذا الافتراض مؤيد بقرائن قوية طبعت مسارات نشأة الحركة المرابطية وظروفها، ومن هذه القرائن:1 – أن مذهب أهل السنة في العقيدة إذا أطلق حينها في بلاد الغرب الإسلامي، فالمراد منه المذهب الأشعري، فلا وجود وقتها لمذهب السادة الماتريدية هنا باعتباره مذهبا قائما له رجالاته ومقرراته كما هو الحال في بلاد ما وراء النهرين.
على عكس المذهب الأشعري الذي كان أعلامه ومؤلفاته يعج بها الغرب الإسلامي في هذه الفترة، بدءا من القيروان، مرورا ببلاد المغرب الأوسط وفاس وحوزتها، وانتهاء ببلاد الأندلس.2 – أن بلاد الغرب الإسلامي حينئذ كانت في بداية تحول جذري من الهيمنة المطلقة لمذاهب الإباضية والصفرية والشيعة والمعتزلة، إلى مذهب أهل السنة، وكان دور مدرسة القيروان قويا وفعالا في هذا الاتجاه.وإذا كان هذا هو الاتجاه العام، فإن مذهب أهل السنة في الغرب الإسلامي كان إذا أطلق ينصرف الذهن مباشرة إلى مذهب الأشاعرة، لما مر من أن الماتردية لم يكن لهم وجود هنا، وكذلك لم يكن هناك وجود فعلي لبعض أعلام فضلاء السادة الحنابلة.فمذهب أهل السنة في المعتقد كما رأينا لم يكن يطلق في الغرب الإسلامي في العموم إلا على مذهب الأشاعرة.
وقد نستثني مذهب ابن حزم من باب صد الإيرادات، لكن مذهبه العقدي في مجمله لا يختلف كثيرا عن مذهب الأشاعرة في باب التنزيه.نعم لقد حاول أحد معلمي القرآن الكريم في الأندلس يدعى وليد النفري تكوين مذهب عقدي نسبه إلى السنة تمثلت مباحثه أساسا في إثارة موضوع الحرف والصوت هل هما قديمان أم حادثان؟لكن سرعان ما خبت نار هذا المذهب بعد رد الإمام الحضرمي عليه بأرجوزته المشهورة التي يقول فيها:
ما هذه البدع التي +++ جاءت تعج بها الوفود
أكلام ربك أحرف؟ +++
مكتوبة حمرٌ وسود؟
إلى أن يقول:
إن كان هذا قولكم +++
والحرف تحويه الحدود؟
فاعبد ثلاثة أحرف
من بعدها ألف مزيد
واسجد لها فإذا انتفت
بطل التعبد والسجود
3 – أن أبا عمران الفاسي – ومن خلال المرابطين – كان هدفه إقامة مذهب سني في مواجهة المذاهب الأخرى، فهل يعقل أن يسعى إلى إقامة مذهب مخالف لما يعتقده هو نفسه؟ ألا ترى أنه لما أراد إقامة مذهب سني في الفقه سعى إلى ترسيخ ما تعلمه وعرفه من مذهب الإمام مالك؟ ولم يسع مثلا إلى نشر مذهب الإمام أبي حنيفة أو الإمام الشافعي؟هذه القرائن وغيرها، لا تترك مجالا لعدم فرضية أن ابن ياسين كان أشعريا وسعى إلى نشر هذا المذهب في الصحراء.ومن هنا يمكن القول إن ممن أخذ هذا المذهب عن ابن ياسين العلامة الجليل لمتاد بن نفير اللمتوني الذي كان يضرب المثل بفتاويه، وترجم له القاضي عياض في المدارك.وعلى هذا يمكن عد ابن ياسين أول من زرع أولى بذور المذهب الأشعري في بلاد شنقيط، لتأتي مرحلة الغرس الفعلي مع الإمام أبي بكر الحضرمي الأشعري بدون شك.هذه عجالة دفعني إلى كتابتها ما يثار من حين لأخرى حول هذا الموضوع، ليست مستوعبة، ولكنها قد تساعد في كشف جوانب من هذا الصرح العقدي العريق في هذه البلاد التي تحبه ويحبها.