ليلة أم قويق…/ المرتضى محمد أشفاق
كان يقول لن تتحرر الأرض المغصوبة إلا بجيش جرار أوله من شواطئ المحيط، وآخره عند شطآن الخليج…لا بد أن يتفجر بحر غطمطم من دماء الشهداء يكتسح العملاء، والغاصبين، ويطهر الأرض من الأذلة الجبناء…غصت قاعة العرض في دار الشباب القديمة بالمتفرجين..تم عرض فقرة قتالية من الحرب العالمية الثانية.. تفاعل الشباب بنشوة وطرب مع القذائف..كلما حمي الوطيس صاح بعضهم في حماس(والله أل أسكي اشعرن جلي)…
في غفلة من الجمهور، وفي تزامن مع احتدام القصف البري والجوي سقطت قطعة من كارتون السقف في زوبعة من غبار محدثة صوتا مفزعا..آوى القوم إلى الخذلان وفقدوا بوصلة الزمان والمكان..فظنوها إحدى قذائف المدفعية التي يشاهدونها في الفلم..فوقع هرج ومرج.. وارتفع العياط والزياط.. ودخلوا في زحمة شديدة، وتدافع شرس على الأبواب، (ويلك يالوراني)..ارتفع صراخ الفتيات باكيات..مستنجدات.. ومعيرات الشباب بمزاحمتهن على الأبواب والنوافذ المسيجة.. لكن صوت القذيفة الوهمية قتل حاسة السمع في الرجال.. أصيب البعض بجراح وهو يحاول اقتحام سياج النوافذ..وسالت دماء على الأرضية المبلطة، اشتدت الكارثة بسقوط قطعة أخري من السقف وسُمع ما يشبه الصفير..غاب الجمهور عن وعيه..حاول البعض وهو في هلع شديد أن ينحت من الجدران أبوابا، كان صاحبنا، صاحب الجيش الجرار يحاول أن يخترق الجدار الأصم، وكيف يخترق جدارا أتقنت الصين صنعته ولم تكله إلى صغار المقاولين، همَّ آخرون بالخروج من فتحات ضيقة بين أعمدة النوافذ، فيمنع البعضَ رأسُه لأنه ضندل، والضندل هو عظيم الرأس، وتمنع آخرين بطونُهم، والبعضَ نتوءات المنكبين…
لعنك الله من بومة أبلت السرائر، وكادت تقضي على النخبة جزعا وذعرا…لكن ما ذنب البومة الصغيرة، هي إحدى مستوطنات فتحات السقف المهترئ، انزعجت من دوي القذائف، وحماس الشباب، ولما همت بالخروج حركت الكرتون التالف(فكادت تأتي عليها أرواح الأبرياء)…