تحت خيمة معهد بتلميت/ النجاح بنت محمذن فال
في سنة 1953 تأسست أول جمعية ثقافية إسلامية في البلاد على يد الشيخ عبد الله ولد باب ولد الشيخ سيديا ، ايام الإدارة الفرنسية للبلاد كان مؤسسها عبدالله من أكثر الناس حفظا لكتاب الله الذي حفظه من محمد سالم ولد حامدت في سن مبكرة من عمره
..وله اهتماماته الثقافية واللغوية المعروفة ومنها انه كان علي دراية كبيرة بعلم النحو وقد كان مجلسه مجلس ادب ولغة وسياسة …
اسس عبد الله ولد الشيخ سيديا رئيس الجمعية الثقافية الإسلامية معهد بوتلميت ..
وقد باشرت هذه المؤسسة عملها تحت خيمة من شعر الضأن ..
كانت حياة الطلاب وأساتذتهم تحتها مدار عدة سجَالات أدبية عربية وحسانية ظريفة..شارك فيه شيخ المعهد ، العلامة محمد عالي ولد عدود ووالدي القاضي محمد بن محمذ فال الذي كان أحد أبرز طلاب المعهد وشيوخه في نفس الوقت .. وقد دخل المعهد برصيد علمي كبير حيث نهل قبله من محظرة أهل اجميلي في مكطع لحجار ، ومحضرة اهل الطالب ابراهيم ، ومحضرة أهل أباه ولد محمد الأمين؛ و محظرة اهل يحظيه ولد عبد الودود .
ولذلك انتدبه الشيخ عبدالله لأمَامة المعهد على حداثة سنه تلك الأيام
ومن هذه السجالات ما كان موضع طُرف نالت إعجاب البوتلميتيين وغيرهم .. من الوافدين منها :
العنز لم تترك لنا عشاءا
امشا الإله بطنها إمشاءا
فقال آخر
كذا الخروف آكل الزرقان
وآكل الطرة والبيان
وقال آخر
والفار حامي النوم في ذا العام
وربما يسقط في الطعام
ولقي صدا هذا السجال مداه حيث قرر الشيخ عبد الله استخدام كل الضغوط علي الإدارة الفرنسية من اجل توفير مبني للمعهد تبعا لاتفاق والده العلامة باب مع الفرنسيين بان قبول المدرسة الفرنسية مرهون بتعليم الثقافة العربية الإسلامية ..وان بقاء الإدارة مرهون بقضاء يستمد من الشريعة لا غيرها .. ويذكر انه هدد في خطوة جرىئة للتعامل مع الاستعنار الانجليزي كبديل عن الفرنسيين وكان ذلك ممكنا تماما فالانجليز تتبع لهم مستعمرة غامبيا المجاورة
وكانوا قد تنازلوا عن موريتانيا لفرنسا في مقايضة معروفة …
وقد استغل عبد الله هذه الورقة ، وسافر الي العاصمة الموريتانية سابق اندر حيث يذهب بعض الرواة إلي انه رمي – سخطا- الاوسمة والميداليات التي كان قد تم توشيحه بها، إذا لم يتم بناء المعهد مما كان سببا لدى السلطات الفرنسية للإسراع في بنائه بمعايير مثالية حسب ذلك الزمان ..
اعتمد الشيخ عبد الله في تاسِيسه للمعهد على استقدام كل من استطاع من علماء البلاد ..وكذلك علي جلب امهات الكتب من خارج البلاد لتغطية النقص الحاصل في المكتبات الموريتانية وقد أشار والدي القاضي محمد بن محمذفال إلي جهوده في تأسيس مكتبة المعهد في أبيات منها :
قذف البحر ذو المكارم عبد الله
الله كتبا إلى أبي تلميت ثلاثين جزء طبريا
حوت جمع كل شتيت
فسرت احسن الحديث كتابا
قلت لما نظرتها ليت لي تي
فما كان من عبد الله إلا أن أهداه سلسلة تفسير الطبري للقرآن الكريم بكاملها …
عرف عبد الله بالكرم الذي لم يكن مقتصرا علي قبيلته
ولذلك يشير والدي محمد بن محمذفال من قصيدة تخص عبد الله
وليس علي اولاد أبييرِقاصرا
مزاياه بل عمت سواهم كبارها
وقد نمت عنده خاصية الإنفاق وتجلت في رمزيات معروفة دأب عليها غيره من أسرته مثل خاصية “الكيل” الذي هو مقدار يومي من المال يوزع على الاسر التي تقبلهُ .. وهو غير مقتصر علي معيار الفقر وإنما معيار التبرك
ولِخاصية الكيل ، يشير والدي القاضي محمد بن محمذفال في رثائه لسليمان الذي تولى تسيير الشأن الأبييري بعد عبد الله قائلا
والكيلَ للفقراء يحسب أهله
ان كل ارض قد أتاه خراجها ويقول الشاعر التندغي الحلي الدنبجة وهو من طلاب المعهد
اقول لركب شكوْا لي غليلا
ماوجدت له شرابا
الا فردو اباتِلميت تسقوا
فإن به فتى غدِقا عُبابا
كان معظم رواد المعهد شعراء أوأدباء حسانية .وكان لظاهرة السجال صداها عندهم مع انها من ادبيات المنطقة ..
ومن اللافت ان شيوخ المعهد كانوا يشاركون طلابه السجالات الادبية و يشرفون عليها مهما كانت حساسية الموقف !
من ذلك ان والدي انشد هذه الابيات وهو متجه إلى تندوجَ حيث تقيم امي
أيها العانِيان بالزجر عِيسا
حي تتدوجَ حَيٌِيَا أم عيسى
رجح المكث هاهنا أن يراكم
آخر الليل رائح حث عيسى
يذكر انه واصل السير حتى وصل تندوجَ في نفس الليلة لكن الجمل المسكين مات !
فقال أحد شيوخ المعهد عند مروره بقوله “…رائح حث عِيسا ” هو ما حثٌُو هو كتلو !
إلي غير ذلك من أدب المعهد مما يستحق مقالا مستقلا .
#معا_لإحياء_معهد_بتلميت