الصحراء : دي ميستورا، الإنْفِصَاليّة و إشكاليّة التفاوض مع الإرهاب؟! / عبد المجيد مومر
إن طرح المملكة الشريفة لمبادرة الحكم الذاتي، كان -و ما إنفك- من أجل طَيِّ نهائي لمظلمة النزاع الجزائري المفتعل حول حدود الصحراء المغربية. فهكذا؛ قد تَفَتَّقَت الإرادة الملكية الحكيمة بتقديم مبادرة سلمية شجاعة، تجمع روابط الصلة الإنسانية بقواعد المصلحة المشتركة القائمة على مبدأ رابح-رابح. إذ أنها المبادرة الحليمة، السّالِكة بالأرواح البشرية نحو ظلال الأمن و الآمان و العيش الحر الكريم.
فجاءت مبادرةً رائدة رزينةً، واعدةً تريد لمّ شمل الغايَة الديمقراطية السليمة بالمُنْجَز التنموي القَويم. كما تعطي القدوة الحسنة لشعوب منطقة جيو-ستراتيجية حساسة، تعاني من ويلات الإرهاب و الحروب الأهلية. و قد كانت مبادرة عقلانية رصينة تستند على عماد تسوية نهائية سلمية و عادلة، من خلال تمتيع بعض الأقاليم المغربية الجنوبية بالحكم الذاتي الديمقراطي تحت سيادة المملكة الشريفة.
فَنِعمَ المبادرة الملكية .. مبادرة محمودة، جادة و ذات مصداقية. مبادرة تجسد البَيّنة المتينة، و تشكل المدخل الإنساني الرحيم لإحقاق متطلبات السلم و السلام و العدالة الثقافية و الديمقراطية. و – أيضا- لتحقيق مُستَلْزَمَات التنمية المتوازنة المنشودة، و تخصيب تربة “مجتمع التنوع البشري” عبر تنقيتها من “أيديولوجيات” الهيمنة و السيطرة الأحادية و المذاهب الارهابية. هذه الأخيرة التي تنهل من مستنقع الهمجية البدائية، التي تعود لحقبَ غابرة، مُناقضة لثقافة الزمن الرقمي المعاصر، و لِقيم سمو القانون و الديمقراطية و حقوق الإنسان.
هكذا كان .. و عند التمحيص المُجَرَّد لمتون القرارات الأممية. نجدها تشير إلى أن الهدف المأمول في المسلسل الأممي، يكمن في التوصل إلى “حل سياسي واقعي و عملي و دائم، يقوم على التوافق”. و لعل التفاوض المباشر من أجل هذا الحل التشاركي، كان – و لازال- يفرض على جبهة الإرهاب الطريحة بتندوف، ضرورة الابتعاد عن مخاتلات المليشيات الإرهابية المسلحة، و كذا اجتناب دسائس المزايدات الفارغة قصد التأسيس لدينامية واقعية جديدة.
و حيث أن منطق التفاوض الدبلوماسي، ينطلق وجوبا من التعبير الشجاع عن الإرادة القوية، و إثبات سريرة النوايا الحسنة، و التَّحَلي بالمراجعة الأيديولوجية المثمرة، و التَّخَلِّي عن هوس عقليات العنف المُتَقادمة. ثم الإلتزام بالجديدِ الديمقراطي القادرِ على إيجاد حلول لهذا النزاع المفتعل، من خلال إتباع المسالك التفاوضية السلمية. كل ذلك على أساس المقاربة النيو-واقعية، و التي تعتمد قسطاس الموازنة بين المصالح المتناقضة المتعارضة من أجل كسب رهان السلم و السلام بشمال افريقيا، و من أجل سيادة القانون و العدل الثقافي و الديمقراطية و التنمية المنشودة.
و حيث أن كل الدلائل و المعطيات، قد سبق أن نبهتْنا إلى تنامي مؤشرات الخطر الإرهابي في صحراء شمال أفريقيا. و ذلك حين فضحت كنهَ جبهة الظلام و الأبارتايد العرقي و الأيديولوجي بالخلاء الجزائر. حتى كشفت عن بيناتِ تَوَرُّط قياداتها في صفقات تيسير عمل مخططات الإجرام الإرهابي. و لعله ذا الذي يجعلنا نستغرب من ضغط بعض مكونات المنتظم الدولي لشرعَنَة الجلوس مع عصبة مشتبه فيها. عصبة مأجورة متحكم في قرارها من قبل النظام العسكري الجزائري، الذي لا يريد تدشين حقبة مفاوضات الحل النهائي المتوافق عليه. سيما و أن أقطاب المعمور شاهدة على إنزياحات طغمة المرادية، حين تمظهرت مضبوطةً بتحريض ميليشات البوليساريو الإرهابية على رفض المبادرة الملكية الإنسانية، و على التهديد بفيالقها العسكرية المرتزقة. ذلك، مع تأليبها قصد توسيع دائرة الخطر الإرهابي نحو الجار الموريتاني الشقيق. و عساها كافية تلك المعلومات الميدانية الدقيقة التي تؤكد استفادة جبهة المنظومة المارقة المسلحة من خبرة و تكوين مستمر، و من آليات و عتاد عسكري متطور، يهدد السلم و السلام في منطقة صحراء شمال إفريقيا و يمتد عبرها نحو أرجاء المعمور.
و لأن حسم النزاع الجزائري المفتعل حول الصحراء المغربية، يتطلب الجلوس على طاولة المفاوضات المباشرة، مع طرف مقابل لا يقف جامدا متجمدا عند عقيدة الإرهاب. إينعم .. طرف مقابل يقبل اعتماد وسائل الواقعية الجديدة. ذلك عبر مراجعة إحداثيات التفاوض العقيم، كي لا يكون “وكيلا حربيا للنظام الجزائري العدواني”. هذا النظام العسكري المتطرف الذي يدعم الإرهاب الإنفصالي منذ أزيد من 40 سنة. حيث ما انفَكَّ عاملا على رعاية و تسويق أوهام دُويْلة عسكرية، ذات عقيدة أيديولوجية مذهبية عنصرية إرهابية، تريد قطع طريق المحيط الأطلسي. مثلما تكدُّ ساعية بغاية وأد حقوق أصحاب الأرض القاطنين الحقيقيين، و معهم باقي المكونات العرقية للثقافة الصحراوية المتعددة الروافد. ذلك عبر الترهيب بعقيدة مذهبية عنيفة و إستئصالية، تنفي و تلغي حق السكان المحليين المقيمين بالأرض ذاتها -موضوع النزاع المفتعل-. و الذين يطالبون بالعدل و الديمقراطية مع التشبث بحقهم الفطري الطبيعي في اختيار مصيرهم ضمن وطنهم الأم ، و تحت راية المملكة الشريفة .
و حيث أن الجبهة الإرهابية المسماة “البوليساريو”، لم تُعرِّي عن عناصر النية السلمية الصادقة، كما ترفض القيام بأم المراجعات. مثلما تأبى الإرتقاء إلى مقام المفاوض الذاتي الديمقراطي الجاد، و الذي يفرض التصريح العلني ببطلان و إبطال إعلان قيام ” دولة عسكرية مزعومة “، خارجة على قرارات الشرعية الدولية و القانون الدولي. إذ أن الجبهة القديمة المتقادمة مُلزمة بالانضباط لروح و نص القرارات الأممية، و التي لا تعترف بما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية” المستوطنة في خلاء الجزائر.
و حيث أن سلوك المخاتلة غير القانونية، و أسلوب المزايدة السياسوية بالإعلان عن قيام دولة مزعومة. قد أفرغ مسلسل المفاوضات من غايات الحل النهائي السياسي المتوافق عليه، كما أكدت عليه قرارات مجلس الأمن. بالتالي هذا يضعنا أمام تمطيط مرفوض لمفاوضات المُخاتلة، و التي لا يمكن اجترارُ عُشْب مَلعَبِها. ذلك حتّى لا تتحول العملية الديبلوماسية الأممية إلى لعبة تراجيدية تحمل أثر مآسي الأخطاء ، و تخفي جزائر الإرهاب المسلح.
بل .. لأن ما يسمى ” جبهة البوليساريو” الإرهابية، لا تملك سيادة قرارها التفاوضي، فهي قيادة تزايد بالواقع الوهمي لدولة الخداع المُعْلَنَة. ثم تعود كي ترضع من ثدي حاضنتها الجزائرية، و تنطق بلسان نظامها العسكري المتطرف، للحديث عن مفاوضات حول تقرير المصير و الاستقلال. رغم أنها تعلم علم اليقين أن الفاعلين الحقيقيين -المقيمين على الأرض موضوع النزاع المفتعل-، هم وحدويون أحرار متشبثون بمبادرة الحكم الذاتي الديمقراطية، و المشهود لها بالجدية و المصداقية تحت راية المملكة الشريفة.
بالتالي، لا داعي لإعادة تشغيل أسطوانة الأخطاء القاتلة. و التي قد شجَّعت جبهة الإرهاب المسلح على معاكسة حركية العقل و التاريخ و الجغرافيا. حتى كادت جبهة الإرهاب الطريحة، أن تطفئ نور الديمقراطية و تزهق روح القانون و السلم و التنمية بصحراء شمال أفريقيا. بعد أن ضيعت أهداف الأمم المتحدة من المفاوضات، خدمة لأطماع جزائرية دنيئة. مُطِيلَةً بذلك أمدَ النزاع الجزائري المُفتعل حول الصحراء المغربية، و راغبة في رمي شعلة مبادرة الحكم الذاتي، داخل دوامة البحث عن حلول سوريالية فوق طاولة مفاوضات مستديرة، مع جبهة المخاتلة الإرهابية.
عبد المجيد مومر شاعر و كاتب رأي